كما كررت كثيرا،
قرار الزواج ليس فقط اختيار شخصين بينهما مشتركات تمكنهم من العيش معا،
إن جزء ليس بقليل من تركيبة القرار تتعلق بمقدرة الزوجين على رعاية مستقبل الأبناء.
وإن لم يكن هناك وعي بأهمية أن يشمل قرار الزواج توافق الزوجين على الأسس المادية
والنفسية والأخلاقية التي سينشأ عليها أبنائهما، فإنني أظن أن قرارهما سيكون به
الكثير من الخلل. إن أمر الزواج لا يتعلق فقط بحياة جنسية هانئة تُرضي الطرفين.
ولا يتعلق فقط بتأكدهما من قدرة كل منهما على الإنجاب بالفحوصات الطبية قبل
الزواج. ولكن الأمر يتعلق بكيف يمكن للآباء أن يوفرا حياة كريمة لأبنائهما.
فقرار الإنجاب لا
يقل صعوبة عن قرار الزواج. لأن المرء يسعى دائما إلى أن يتجنب في تربية أبنائه
الأخطاء التي وقع فيها والديه أثناء تربيته. إن أمر التربية لا يتوقف فقط على
توفير أساسيات الحياة من مأكل وملبس ومشرب. ولا يتوقف أيضا على توفير قدر جيد من
التعليم والعلاج. بل أزعم أن الأمر يحتاج للكثير من الأشياء الأخرى التي قد يراها
مجتمعنا أشياء تكميلية، نقصها لن يسبب مشكلة كبيرة،مثل أن يمارس أبنائك رياضة من
الرياضات بشكل منتظم منذ نعومة أظافرهم حتى ينتهوا من الجامعة، تعلم شئ من
الموسيقى، التحفيز على الاطلاع والقراءة في مجالات مختلفة، تعلم أساسيات الرسم على
أن يترك لهم التعبير من خلاله عما يدور بداخلهم أو حولهم.
إن الآباء يجب أن
يكون لديهم قدرة على تنظيم وقت ابنائهم، بالإضافة لحتمية وجود مبادئ معرفية طبية ونفسية
تساعدهم على تنشأة أبنائهم نشأة حقيقية. إن سؤال كيف يمكن أن نربي أبنائنا هو من
أصعب الأسئلة وأكثرها تعقيدا التي يمكن أن يقابلها المرء في حياته. وكل ما أحاول
قوله هنا هو من قبيل النقاش لا النصح. وربما النقاش قد يساعدنا على ان نضع شئ بسيط
في بناء إطار مبدأي يمكننا من خلاله التفكير بطريقة مختلفة في مؤسسة الزواج بشكل
عام وفي طريقة تربية أبنائنا واحتياجاتهم بشكل خاص. ربما يسمح لنا أن نفكر في
ماهية العقبات المادية والفكرية والاجتماعية التي من الممكن أن تحول بيننا وبين
تربية أبنائنا بطريقة حقيقية.
إن رغبة أي زوجين
في الإنجاب هي شئ فطري لا يمكن أن يلومهما أحد عليه. ولكن إهدار حق من ينجبوهم
بعدم الاستعداد لقدومهم بشكل جيد هو ما يجب أن يحاسب عليه كل زوجين نفسيمها قبل أن
يحاسبهم المجتمع وأبنائهم. إن محدودية الموارد المادية مشكلة تؤرق غالبية سكان هذا
الكوكب. وهذه المحدودية يجب أن تجعلنا نفكر وندرك أن إنجاب المزيد من الأطفال
وإحضارهم إلى هذا العالم هو شئ يجب الاستعداد له بشكل جيد، حيث يمكن أن نوفر فرصة
حقيقية لأبنائنا من أجل أن يجدوا مكانا لهم في هذا العالم الذي يزداد تأزما كل
يوم.
إن المشكلة لا
تبدأ أحيانا عند إنجاب الطفل الأول أو الثاني، بل غالبا ما تبدأ مع زيادة مفرطة في
الإنجاب. ولو أننا افترضنا أن لدى الآباء كل الموارد المادية التي تمكنهم من توفير
تعليم ورعاية صحية وغيره لأطفالهم، فهذا لا يعني بكل تأكيد نجاح الآباء في تربية
أبنائهم. لأنهم لو كانوا يمتلكون موارد مادية غير محدودة فإن الوقت الذي يمتلكوه
محدود. وكلما زاد عدد أطفالك كلما تم توزيع وقت رعايتك عليهم وكلما قل نصيب كل طفل
من هذه الرعاية. إن واجب الآباء اتجاه أبنائهم يجب أن ننظر إليه بشكل مختلف عما
اعتدنا عليه.
ربما كان كتاب
"في التربية" لـ برتراند راسل يضع إطارا أوليا يساعد الآباء على معرفة
كيف نربي أبنائنا منذ اللحظة الأولى لولادتهم وحتى يلتحقوا بالجامعة. إن قراءة هذا
الكتاب من الممكن فعليا أن تشكل بداية لإطار عملي يجعلنا نصيب قدر من النجاح في
وضع ديناميكية غير تقليدية تساعدنا على تربية أبنائنا داخل إطار فكري جديد أصبحنا
في أشد الحاجة إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق