الأحد، 20 يوليو 2014

نظرية ماكيويجو .. كيف كان سيراها أينشتاين

333 
 
وفي ليلة تختفي فيها الغيوم من السماء، أرى النجوم تتلألأ، جلست أحدق في الفضاء الشاسع، اتساءل كيف يمكن أن نفهم التمدد السريع الذي حدث للكون بعد ثوان  قليلة من حدوث الإنفجار الكبير، لطالما كان هذا السؤال لغزا يحير علماء الفلك والفيزياء. وكلما لاح في ذهني شيئا ربما يقودني إلى طريق لتفسير هذه الإشكالية، اصطدمت في طريقي بالشئ الوحيد الذي رآه أينشتاين ثابتا لا يتغير، وهو سرعة الضوء.

وفي يوم شتوي يمتلئ بالغيوم التي تضفي شيئا من الهدوء الذي يشوبه الشجن ويغلف الكون بروح تتأمل ذاتها، كنت ذاهبا إلى الجامعة سيرا على قدمي حينما سمعت صوتا خافتا من بين أركان ذهني المرهق يقول: إن كانت سرعة الضوء هي الثابت الوحيد الذي لا يتغير في هذا الكون كما رأى أينشتاين، فهذا لا يعني أن قيمتها في الثواني التي أعقبت الانفجار الكبير كانت كما هي عليه الآن. فلو افترضنا أن سرعة الضوء في اللحظات الأولى لنشأة الكون كانت أعلى بكثير مما هي عليه الآن، لربما ساعدنا هذا على فهم الكيفية التي ساهمت في تمدد الكون بهذا الشكل الكبير في وقت قياسي أقل مما توصلت إليه حسابات علماء الفيزياء النظرية والفلك حتى الآن.

الفقرة السابقة نقلتها بتصرف من كتاب أسرع من سرعة الضوء لـ العالم البرتغالي الشاب ” جواو ماكيويجو”. يعرض ماكيويجو تاريخا مكثفا  لكثير من أفكار الذين سبقوه والتي تستحق التأمل، يكتب لنا عن النظريات والفرضيات التي حاولت تفسير الكيفية التي حدث بها الانفجار الكبير أو بمعنى أشمل يحاول أن يخبرنا ما وصل إليه البشر لكي يفهموا كيف نشأ الكون. وعلى الرغم من معارضة الفيلسوف النمساوي لودفيج فيتجنشتاين –والذي يعتبره البعض أهم فيلسوف في القرن العشرين- لهذا السؤال الذي يركز على الكيفية التي نشأ بها الكون والذي دائما ما حاول استبداله بـ “لماذا نشأ الكون”، إلا إننا سنتناول اليوم الكيفية، أي ما اهتم به العلم.

يخبرنا ماكيويجو في كتابه عن قياسات إدوين هابل، نماذج ألكسندر فريدمان، نظرية الكون الانفجاري التوسعي لآلن كوث. يعرض تاريخية العلم بشكل رائق للغاية بحديثه عن قوانين نيوتن من ناحية والنسبية الخاصة والعامة من ناحية أخرى، ويصل بنا في نهاية رحلته لهذا التأريخ الرائع، والذي يمثل الجزء الأول من كتابه، إلى آخر ما توصل إليه علماء الفيزياء النظرية وهما نظريتان: نظرية الأوتار الفائقة و نظرية الجاذبية الكمية. ثم من هذه النقطة الآنية ينطلق بنا في الجزء الثاني من كتابه، ليتحدث عن فرضيته العلمية التي يصر دائما على التأكيد على أنها نتاج حدس تأملي قاده فهمه للرياضيات والفيزياء إلى بلورته في شكل قالب علمي ظهر لأول مرة كورقة بحثية.

يؤكد ماكيويجو على أن نظريته التي تفترض أن سرعة الضوء في بداية نشأة الكون كانت أعلى بكثير مما هي عليه الآن )والتي ربما تفسّر الكثير من الأشياء الغامضة بهذه الفترة الأولية في نشأة الكون( مازالت في نطاق الفرضية النظرية التي لم تخضع بعد لإثبات بالتجربة العملية. ولكن ألم تمر النسبية بعد نشرها بنفس ما تمر به اليوم نظرية ماكيويجو، مجرد فرضية علمية خاضعة للمعادلات الرياضية والتأملات الحدسية، حتى أتت اللحظة التي تم اثبات صحتها عن طريق التجربة، عندما لاحظ علماء الفلك في وقت الكسوف انحراف آشعة الضوء الآتية من النجوم عند مرورها بجسم ذو جاذبية عالية كالشمس.

والسؤال الذي يراودني عند هذا المو  ضع: كيف كان سيرى أينشتاين نظرية ماكيويجو! وهو الذي عانى من التجاهل من المجتمع الفيزيائي لأكثر من عام بعد نشره الورقة البحثية التي احتوت على النسبية الخاصة حتى أرسل له ماكس بلانك خطاب يسأله عن بعض النقاط الغامضة ويطلب منه ايضاحها. أينشتاين الذي دائما ما كان يرد على الفرضية المنغرقة في الاحتمالية واللايقين التي تنغمس فيها ميكانيكا الكم عند نيلز بور وهيزنبرج، والتي كانت تتعارض مع تصوره المتناسق للكون، بقوله: إن الله لا يلعب النرد. كيف كان سيرى أينشتاين نظرية ماكيويجو التي تنبثق من نقطة تقترب كثيرا من كونه الأنيق، والتي حاول فيها ماكيويجو أن يقدم تفسيرا استثنائيا لإشكالية علمية بالغة التعقيد.

لعلي أتخيل لو كان أينشتاين يحيى بيننا اليوم، يجلس على كرسيه ويمسك بقلمه ويضع علامات على بعض النقاط في ورقة ماكيويجو البحثية ثم يرفع ناظريه ليبتسم بهدوء في وجه العالم الشاب الجالس أمامه والذي ينتظر رأيا وحكما من أهم عالم في تاريخ الفيزياء. يشد أينشتاين على يد ماكيويجو، يقول له: إنهم سيسخرون منك، سيتهمونك بأنك تضيع وقتك في السعي وراء حماقة، ولكن يا بني لا تسمع لهم، ولتكمل ما بدأته، فلو كان صحيحا، ستتضح صحته يوما ما عن طريق التجربة العملية، وإن كان خطئا، فسيتعلم منه من سيأتي بعدك، فربما تكون السبب في إلهام أحدهم يوما ما، مثلما كنت السبب في إلهامك. إن تاريخ العلم لا يثبت شيئا سوى أن من جعلونا نقف اليوم على أرض صلبة من المعرفة هم من امتلكوا والفضول المثابرة.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق