السبت، 20 ديسمبر 2014

زوجي رجل ثلجي .. قصة قصيرة لـ هاروكي موراكامي





زوجي رجل ثلجي.. 
قابلته لأول مرة في فندق بمنتجع للتزلج. في الحقيقة، من الصعب تخيل أن أتصادف بشخص مثله في مكان غير ذلك. المرة الأولى التي رأيته فيها كان جالسا في رواق الفندق، كان الرواق مزدحما بالكثير من الشباب، وكان الجو صاخبا والضوضاء في كل مكان. أما هو فقد كان جالسا في ركن بعيد بقدر الإمكان عن الصخب، المدفئة، مستغرقا بهدوء في قراءة كتاب بين يديه. اختار أن يجلس في ركن ليس به أحد غيره، ومع هذا الصباح البارد الصافي، شعرت وكأن الضوء الداخل من نوافذ الفندق مسلطا عليه وحده وكأنه يقف في نطاق بقعة الضوء الوحيدة على مسرح أمام الجمهور.

همست صديقتي في أذني: إنه رجل ثلجي.
لم أكن أعلم في حينها أي نوع من الناس من الممكن أن يكون الرجل الثلجي. كما أن صديقتي لم تستطع مساعدتي لمعرفة الأمر. كل ما قالته أنه رجل اعتيد على أن يدعى رجل ثلجي وأضافت وعلى وجهها نظرة جادة: من المؤكد أن الناس يدعونه كذلك لأنه مخلوق من الثلج. كانت تتحدث وكأنها تخبرني بأمر شبح أو مرض معدي وليس رجل يجلس أمامي.

لم يبدو على الرجل الثلجي أنه كبير في العمر على الرغم من جدائله البيضاء التي بدت وكأنها بقايا نتف ثلج. كان طويلا ووجنتيه حادتين كأنهما منحوتتان على حافة جرف صخري، أصابعه مغطاة بصقيع تشعر معه وكأنه لن يذوب أبدا. غير ذلك، فقد بدا عاديا للغاية. لم يكن وسيما ولكن يمكنك أن تشعر بحضوره الهادئ، كان هناك شئ ما يجعلك تشعر وكأنه يمكن أن ينفذ إلى داخلك. خاصة هذه النظرة الصامتة الشفافة من عينيه والتي بدت وكأنها جليدية الهيئة كمنظر الطبيعة في صباح شتوي. كانت هذه النظرة هي البريق الوحيد الذي يمكن أن يجعلك تقول بأن هناك حياة في هذا الرجل. بقيت هناك لبرهة أحدق فيه عبر ردهة الفندق، أما هو فكان مستغرقا في كتابه ولم يقم ولو لمرة أو ينظر حوله وكأنه يحاول أن يقنع نفسه بأنه وحيدا تماما.

في ظهر اليوم التالي، عندما ذهبت لحجرة الطعام لتناول الغداء، رأيته كما كان من قبل جالسا في نفس البقعة يقرأ في كتابه، وعندما عدت مع أصدقائي من التزلج في المساء، كان هناك أيضا جالسا على نفس الكرسي، وبنفس النظرة الهادئة التي كانت في عينيه يقلب صفحات نفس الكتاب الذي كان يقرأه. وظل الأمر كما هو في اليوم التالي عندما نزلت عند الغسق إلى رواق الفندق فوجدته جالسا وحده يقرأ بهدوء، بدا وكأنه جزء من مشهد الشتاء الجليدي في ذلك الجزء من العالم.

في ظهر اليوم الرابع اختلقت عذرا ولم أنضم إلى أصدقائي حين رغبوا في السير عبر المنحدرات الجليدية. وعوضا عن ذلك، بقيت بالفندق أتجول برواقه والذي بدا عندما ذهب الجميع للتزلج وكأنه مدينة مهجورة. كان الهواء بداخله رطبا وحارا ورائحته تسبب الكآبة والنفور بسبب الثلوج التي علقت بأحذيه رواده ثم التصقت بأرض الرواق وذابت باعثة هذه الرائحة. أخذت أحدق عبر النافذة، أتصفح جريدة، وأخيرا شحذت كل شجاعتي ومررت أمامه، كنت خجلة قليلا ونادرا ما أخوص محادثات مع أشخاص غرباء. ولكن يجب أن أتحدث معه، إنها آخر ليلة لي بالفندق ولو لم أنتهز هذه الفرصة من المحتمل ألا أراه مرة أخرى.

سألته وأنا أحاول أن أبدو عفوية: لماذا لم تذهب إلى التزلج؟
رفع رأسه ببطأ وكأنه يحاول أن يستمع لصوت الرياح في الخارج. حدق في وهز رأسه بهدوء: لا أتزلج، أشعر أنني على خير حال وأنا جالسا اقرأ وأشاهد تساقط الثلج بين حين وآخر. بدت كلماته وكأنها طافية في الهواء مثل تلك المحادثات التي تكون على هيئة فقاعات بيضاء في كتب الكوميكس. بدا الأمر وكأن كل كلمة يقولها مرئية بالنسبة لي.

لم يكن لدي أدنى فكرة عما يمكن أن أقوله بعد ذلك، شعرت بأنني أحمر خجلا وأنا واقفة في تلك البقعة وكأنني عاجزة عن الحركة. حدق رجل الثلج في عينيّ ثم  ابتسم ابتسامة خافتة، هل ابتسم حقا؟ ربما تخيلت ذلك فقط.
- هل تمانعين في الجلوس؟ فأنا أعلم أنكِ تشعرين بالفضول اتجاهي ولهذا دعينا نتحدث لبعض الوقت. تريدين أن تعلمي ماذا يمكن أن يكون عليه رجل ثلجي، أليس كذلك؟
ضحك ضحكة مكتومة وأضاف: حسنا، لا داعي إلى أن تخافي، كلانا يجلس ويتحدث إلى الآخر ولا شئ أكثر من ذلك.

جلسنا على أريكة بإحدى أركان ردهة الفندق، كان كلانا يتحدث بشئ من التردد بينما نشاهد الثلج المتساقط في الخارج عبر النافذة. طلبت كوب من الكاكاو الدافئ ولكنه لم يطلب شيئا. كان خجلا مثلما كنت، كما أنه لم يكن بيننا الكثير لنتحدث بشأنه. تحدثنا عن الطقس وعن الفندق وسألته: هل أتيت إلى هنا بمفردك؟
- نعم
سألني: هل تحبين التزلج؟
- ليس على نحو خاص. فيمكنني التزلج بالكاد، الأمر كله أنني أتيت إلى هنا مع بعض أصدقائي.
كنت متشوقة بشدة لمعرفة المزيد عنه، هل هو فعلا من الثلج؟ ماذا يأكل؟ هل يمكن أن يعيش في الصيف؟ هل لديه عائلة؟ كل هذه الأسئلة كانت تجوب في عقلي، ولكنه لسوء الحظ لم يتحدث عن نفسه، ولم أجرؤ على أن أسئله هذه الأسئلة، حيث وجدت أنه لا يشعر برغبة في الحديث عن مثل هذه الأشياء. وبدلا عن ذلك، تحدث عني، كان من الصعب تصديق أنه يعرف كل ما يمكن لشخص أن يعرفه عني: من هم عائلتي، أهتماماتي، حالتي الصحية، أي مدرسة كنت أرتاد، أصدقائي، كان يعلم كل ذلك. حتى أنه كان يعلم الأشياء التي كنت قد نسيتها منذ فترة طويلة. 
لقد كان يعلم كل شئ عني !
لم أستطع استيعاب ما يحدث، كنت أحمر خجلا، وكأنه قد تم تعريتي من ملابسي أمام الناس.
سألته: كيف يمكن أن تعرف كل هذه الأشياء عني؟ هل أنت قارئ أفكار؟
- لا، لست قارئ أفكار، فقط أعلم هذه الأشياء وكأنكِ تنظرين عميقا في مكعب ثلج خالي من الشوائب. عندما أحدق في عينيكِ، يمكنني أن أرى كل شئ.
- هل يمكنك أن ترى مستقبلي؟
- لا، لا أرى المستقبل، لست مهتما بمعرفة المستقبل، ليس دي أدنى فكرة عن مستقبلك، فالنظر إلى مكعب من الثلج لا يعني النظر إلى المستقبل، فقط ترين الحاضر.
تنفست الصعداء، فقد كنت مرتاحة لأنه ما من طريقة قد احتاج إليها لأعلم شئ بخصوص مستقبلي.

********

تقابلنا مرات قليلة بعد عودتنا إلى طوكيو، غالبا ما كانت في عطلة نهاية الأسبوع. لم نذهب في مواعيد لمشاهدة أفلام السينما أو قضينا الوقت في ارتياد المقاهي أو حتى خرجنا لنتناول الطعام، فقد كان نادرا ما يأكل. وعوضا عن ذلك، قضينا الوقت في الحدائق العامة نجلس بجوار بعضنا البعض نتحدث ونتناقش بخصوص كافة الأمور، عدا الحديث عن نفسه. لماذا لم يكن يتحدث عن نفسه؟ سألته ذات يوم: لماذا لم تتحدث عن نفسك مطلقا من قبل؟ أريد أن أعرف المزيد عنك، أين ولدت؟ أين والديك، كيف أصبحت رجل ثلجي؟ حدق في لحظة ثم هز رأسه ببطأ وقال بهدوء وعلى نحو حاسم: ليس لدي أجوبة على اسئلتك. نافثا زفيره الأبيض بصعوبة، أكمل: ليس لدي ماضي، ليس لدي أدنى فكرة في أي مكان ولدت، ولا أعلم حتى من هم والديّ؟ أو إن كان لديّ والدين في الأصل. لا أعلم كم هو عمري أو حتى إن كان لدي عمر. كل ما أشعر به هو أنني منعزل ووحيد ككتلة جليد ضخمة تطفو في الظلام.

أحببته حقا، وهو أيضا كان لديه نفس الشعور اتجاهي. وبدأنا في الحديث عن التحضير للزواج. كنت قد وصلت للعشرين من عمري وكان الرجل الثلجي هو الشخص الوحيد الذي أحببته. أمي وأختي الكبرى رفضتا هذا الزواج وكانتا ضده تماما. كانتا يتجادلا: أنتِ صغيرة جدا لكي تتزوجي، ولا تعلمين شيئا عن هذا الرجل، لا شئ عن ماضيه، ولا حتى أين ومتى وُلد، كيف يمكن أن نشرح شئ كهذا للآخرين؟ كما أنه رجل ثلجي، فماذا سيحدث لو ذاب؟ لا يبدو عليكِ أنكِ مدركة لما نقول. فعندما يتزوج المرء يحمل على كتفيه مسؤوليات. كيف لرجل ثلجي أن يقوم بواجبات الزوج. لم تكن مخاوفهم ذات أساس، فالرجل الثلجي ليس من الثلج ولكنه باردا كالثلج، وفي الوقت نفسه ليست البرودة التي تمتص الحرارة فيذوب الثلج. لا أعلم كيف أشرح الأمر ولكنه كان كذلك.

وتزوجنا، بدون أن يحتفل أحد بعرسنا، لا أحد، لا أصدقاء، ولا أقارب أو معارف ولا أسرتي. فلم يكن أحد سعيد بهذا الزواج. حتى أننا لم نقم مراسم للزواج.  فهو لم يكن له عائلة، ولهذا قررنا ببساطة أن نتزوج، ابتعنا كعكة صغيرة وتناولناها نحن الاثنان وهكذا كانت مراسم الاحتفال بزواجنا. استأجرنا شقة صغيرة وحصل على وظيفة في مستودع لحفظ اللحوم المثلجة. لم يزعجه البرد الذي كان في مثل هذه الأعمال، ولم يكن يشعر بالتعب، كما أنه لم يكن يأكل كثيرا. ولهذا أعجب به رئيسه للغاية وكان يدفع له أكثر من العاملين الآخرين في المستودع.

عشنا حياة هادئة، فقط نحن الأثنان دون أن يزعجنا أحد أو نتسبب في مشاكل لأحد. عندما كنا نمارس الحب كنت أرى في خيالي صورة صامتة لكتل من الجليد في مكان ما، جليد صلب وضخم للغاية. في المرات الأولى لممارستنا للحب كنت مرتبكة ولكن بعد ذلك اعتدت الأمر. أحببت طريقته في أخذي بين ذراعيه وكالعادة لم يكن يتحدث عن نفسه ولا حتى عن السبب الذي جعله يصبح رجل ثلجي. ولم أسأله أبدا في هذا الأمر. ولم يكن لكلانا سوى أن يحتضن الآخر في ظلام غرفة النوم وممارسة الحب.

فحياتنا كانت جيدة، أحببنا بعضنا البعض وتركنا الآخرين دون تطفل أو إزعاج. فقد وجد الناس صعوبة في الاعتياد على وجود رجل ثلجي بينهم. ولكن بعد فترة بدؤا في الحديث إليه. فالرجل الثلجي ليس مختلفا بشكل كبير عن أي شخص آخر. هذا ما توصلوا إليه ولكن في قرارة أنفسهم لم يتقبلوه. كانوا يشعرون أننا مختلفين عنهم ولم يكن لشئ أن يملأ هذه الفجوة بيننا وبينهم.

فشلنا في أن يكون لنا طفل، ربما لأن جينات الرجال الثلجيين مختلفة عن جينات الناس العادية وهو ما جعل هناك صعوبات في مسألة الأطفال. وبدون طفل يملأ عليّ وقتي، وجدت أن هناك الكثير الوقت بين يدي. ارتب المنزل في الصباح، ولكن بعد ذلك ليس لدي شئ أفعله. ليس هناك أصدقاء لأتحدث إليهم أو الخروج معهم، ولم يكن لي معرفة بأحد من الجيران، كما أن أختي وأمي مازالتا غاضبتين مني ومن زواجي ورفضتا أي تواصل بيني وبينهما. كنت كإحدى الماشية المنبوذة والتي تم طردها خارج القطيع. لم يكن لدي أحد لأتحدث إليه ولو حتى عبر الهاتف أثناء الوقت الذي كان يعمل فيه زوجي بمستودع اللحوم. أجلس بمفردي في البيت اقرأ أو استمع إلى الموسيقى، ومع الوقت شعرت أنني جزء من البيت مثلي مثل أي شئ آخر. كنت صغيرة ولا يمكنني تحمل مثل هذا الروتين الممل لمدة طويلة. وبدأت أشعر وكأنني لا شئ أكثر من مجرد ظل متكرر لمرور الأيام وإيقاعها الرتيب.

اقترحت على زوجي الذهاب في رحلة لكسر هذا الروتين. ولكنه نظر إليّ بحدة: رحلة؟ لماذا يمكن أن تحتاجين لرحلة؟ ألستِ سعيدة بالطريقة التي نحيى بها برفقة بعضنا البعض؟
- لا، الأمر ليس كذلك. أنا سعيدة بالتأكيد، فقط أشعر بملل وأود أن نذهب إلى مكان بعيد نوعا ما. نرى ونجرب أشياء لم نجربها من قبل، كما أننا علاوة على ذلك لم نقضي شهر عسل بعد زواجنا، ولدينا ما يكفي من المال، كما أن لديك الكثير الأجازات. سيكون شيئا لطيفا أن نتمكن من الحصول على عطلة نقضيها برفقة بعضنا البعض. 

- حسنا، طالما تريدين الذهاب في رحلة فلا مانع لدي. أنا لا أظن أن السفر والترحال أمر محبب إليّ. ولكنني سأفعل ما يجعلك سعيدة بغض النظر عن أي شئ. لنذهب إلى أي مكان تريديه، لقد عملت بجد في المستودع وأظن أنه يمكنني الحصول على راحة لبعض الوقت، لا أظن أن هناك مشكلة في ذلك، ولكن إلى أي مكان تودين الذهاب؟
- ماذا عن "ساوث بول".
وقد اخترت هذا المكان تحديدا لأنني كنت أعلم أنه سيكون سعيدا ومستمتعا هناك، كما أنني في الحقيقة وددت كثيرا الذهاب إلى مكان كهذا، حيث يمكنني أن أشاهد طيور البطريق والشفق القطبي.

نظر إليّ محدقا، كانت نظرته حادة كقطعة جليد مدببة موجهة إلى رأسي مباشرة. ظل صامتا للحظة يفكر وبشئ من الوميض في عينيه: حسنا، لا بأس إن كنتِ تريدين الذهاب حقا إلى ساوث بول. أأنتِ متأكدة أنه المكان الذي تودين الذهاب إليه؟
أومأت برأسي.
- يمكنني أخذ أجازة طويلة لمدة أسبوعين مثلا، يجب أن نجهز كل شئ قد نحتاج إليه في رحلتنا. هل هذا يناسبك؟
لم استطع الرد، نظرته الجليدية الحادة جمدت رأسي ولم أستطع التفكير. وكلما مرت الأيام كلما كنت أشعر بالندم لاقتراحي فكرة السفر إلى "ساوث بول". فكلما كنت أذكر كلمة "ساوث بول" كان يتغير وتصبح عينيه أكثر حدة وجليدية، أنفاسه تصبح أكثر بياضا. وتتغطى أصابعه بالمزيد من الصقيع، كان أكثر هدوءا من ذي قبل وأكثر حدة في الوقت نفسه. ولم يعد يأكل شيئا تقريبا، وهو ما جعلني أكثر قلقا عليه.
خمسة أيام تبقت على ميعاد مغادرتنا وقد قررت أنه يجب عليّ قول شئ بخصوص هذا الأمر: دعنا لا نذهب إلى هناك. إنها باردة للغاية، ربما لا تكون رحلة جيدة لكلينا، ربما نذهب إلى مكان أكثر اعتيادا في أوروبا، أسبانيا مثلا أو أي مكان آخر نستطيع أن نشرب فيه بعض النبيذ ونأكل النيجرو ونشاهد مصارعة الثيران.
ولكنه تجاهلني واستمر في النظر إليّ بتلك الطريقة التي كانت تجمِّد رأسي. فيجعلني أشعر وكأنني على وشك أن أتلاشى.
- لا، أسبانيا ليست ملفتة للانتباه بالنسبة لي، أنا آسف، إنها حارة للغاية ومغبرة والأكل فيها حار أيضا. كما أنني اشتريت تذاكر سفرنا إلى ساوث بول كما اشتريت معطف وحذاء لكِ وكلاهما من الفراء، لا نستطيع أن نتراجع الآن عن خطتنا.

في الحقيقة، أنا خائفة، ربما لو ذهبنا إلى ساوث بول قد يحدث شئ لنا. أرى ليلة بعد ليلة أنني أسير في مكان ما ثم أقع في حفرة عميقة، ولا يجدني أحد، فأتجمد وتحيط بي كتلة ثلجية ضخمة أقبع في قلبها، أحدق في السماء، واعية لكل ما يحدث ولكنني لا أستطيع أن أحرك ولو حتى أصبع مني. إنه شعور غريب، وبمرور الوقت، أُصبح جزء من الماضي، لا مستقبل لي، فقط الماضي، وكل شخص يرى ما يحدث لي، وكأنهم ينظرون إلى الماضي، وأجد نفسي أوغل أكثر وأكثر ومبتعدة في الماضي.

استيقظت لأجد زوجي نائم بجواري، لا يصدر عنه أي صوت وهو نائم، كأنه متجمد أو ميت. إنني أحبه، وعلى الرغم من ذلك، بدأت في البكاء وقد بللت الدموع وجنتي، استيقظ من نومه على صوت نحيبي، ضمني إليه، قلت: لقد أتاني حلم مريع.
في الظلام، هز رأسه ببطأ: إنه ليس أكثر من حلم سئ، الأحلام تأتي من الماضي وليس من المستقبل، الأحلام لا يمكنها أن تتحكم فينا.
- أنت على حق.
ولكنني لم أكن متأكدة من ذلك.

انتهى الأمر، وأقلتنا الطائرة إلى ساوث بول. فشلت كل الجهود التي بذلتها من أجل إيجاد سبب لتعطيل قيامنا بالرحلة أو إلغائها. تمنيت لو أتمتع بمنظر السماء ونحن محلقين، ولكن السحب كانت كثيفة ولم استطع أن أرى شيئا. طوال الوقت كان زوجي يقرأ بهدوء. لم أكن أشعر بأي من الإثارة أوالمتعة التي يشعر بها المسافر في رحلة.
عندما هبطنا في ساوث بول، شعرت بأن زوجي قد ارتعش. لقد حدث الأمر في لمحة بصر، في نصف ثانية، وقد حاول ألا يظهر عليه شئ، ولكنني لاحظت الأمر. شيئا ما بداخله جعله يرتعش للحظة سريعا. حدقت فيه، كان واقفا ينظر إلى السماء ثم أخرج زفيرا عميقا. نظرا إليّ وابتسم: حسنا، هذا هو المكان الذي أردتِ القدوم إليه؟
- نعم، هذا صحيح.

كنت أعلم أن ساوث بول مكان منعزل، ولكنها في الحقيقة كانت أكثر انعزالية مما كنت أتوقع. وكأنها شئ يشبه المدينة، بها ما يشبه الفندق. لم تكن لتعد مقصدا للسياح، ولم يكن هناك أي من طيور البطريق أو الشفق القطبي. أوقفت أحد المارة وسألته عن طيور البطريق، ولكنه هز رأسه وبدا أنه لم يفهم شيئا مما قلته، وانتهى بي المطاف وقد رسمت له صورة بطريق لأسأله ولكنه هز رأسه كالمرة السابقة.
شعرت بأنني وحيدة، أخرج وأتجول في المدينة وكل ما أشاهده هو الجليد، لا زهور، لا أشجار، لا أنهار، لا برك مياه. جليد على امتداد ما تراه عينيك وقد بدا وكأنه بلانهاية.

على الناحية الأخرى، كان زوجي بأنفاسه البيضاء وأصابعه المغطاة بالصقيع ونظرته الجليدية الحادة يخرج ويتحرك هنا وهناك دون تعب. لم يمض وقت طويل قبل أن يتعلم لغة المحليين والنغمات الجليدية في أصواتهم. كان يتحدث معهم بالساعات، كنت أحدق في وجوههم محاولة أن أفهم شئ، ولكنني لم أخرج بأي نتيجة. شعرت أن قوتي على تحمل هذا العالم تتلاشى شيئا فشيئا. كل مشاعري قد تجمدت، فقدت أحساسي بالمكان والوقت. وفي وسط كل هذه المعارك التي بداخلي كنت أسمع صوت في داخلي يقول "إن زوجك الذي أتى معِك إلى هنا ليس هو الذي اعتدتِ معرفته". لم أكن أعرف كيف تغير، فمازال لديه نفس الكلمات اللطيفة ولكن لدي الشعور بأنه قد تغير عما كان عليه قبل أن نأتي إلى هنا. ولكن كيف لي أن أشكو! فأهل ساوث بول يحبونه للغاية ويتبادلون معه الحديث والنكات. ولأنه لم يكن لدي من أتحدث معه، فآثرت أن أبقى في حجرتي بالفندق أحدق في الغيوم الرمادية والتي لم تنقشع منذ شهور. لم تأت أي طائرات بعد الطائرة التي أقلتنا إلى هنا.
- الشتاء قادم وسيكون طويلا، ولن تأتي أي طائرات ولا حتى إلى سفن هنا، فالجليد سيغطي كل شئ وكل ما نستطيع فعله هو الانتظار حتى الربيع، هذا ما قاله لي.
لقد مرت ثلاثة أشهر على قدومي إلى ساوث بول، وقد أدركت أنني حبلى من زوجي. كنت أشعر أنني سألد رجلا ثلجيا صغيرا، مثل أبيه، نفس الأصابع المغطاة بالصقيع ونفس النظرة الجليدية، تيقنت حينها أننا لن نغادر أبدا هذا المكان.
لقد نسيت كيف يمكن أن يكون الإحساس بالدفء. كنت أبكي وحيدة في الكثير من الأحيان عندما أفكر في أنني هنا في أكثر الأماكن برودة وعزلة في العالم. عندما كنت أبكي، كان زوجي يقبل وجنتي ويقول لي: أنتِ تعلمين أنني أحبك.
كنت أعلم أن ذلك صحيحا، ولكن لم تكن كلماته هذه تمنع البكاء عني، ولم تكن تطرد الوحدة والبرد من داخلي.



من المجموعة القصصية: Blind Willow Sleeping Woman
من اليابانية للإنجليزية: Philip Gabriel
من الإنجليزية للعربية: محمود حسني
نشرت بعدد جريدة القاهرة بتاريخ 16 ديسمبر 2014

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

هاروكي موراكامي .. لا أعرف لم أنا مشهور!





في سبتمبر الماضي، وبعد أن قابلت هاروكي موراكامي بلندن، أخذت جولة بداية من بيكاديلي إلى واتر ستون، حيث يمكنك أن ترى عاصفة الشهرة التي تلاحق أعمال موراكامي بمكتبات في هذه المناطق العريقة. بالطبع أنا أعرف أن موراكامي اسم كبير في اليابان. فلقد تهافت معجبيه وقراءه على اقتناء ما يزيد عن المليون نسخة من آخر أعماله "تاسكورو تزاكي عديم اللون وسنوات حجه"، وهي روايته الثالثة عشر في أول أسبوعين فور صدورها. ولكن حتى في لندن، فالأثر الذي يتركه يبدو أنه ليس ببعيد عن الحال في اليابان. فالمئات من القراء اصطفوا في طوابير من المساء منتظرين أن تفتح المكتبات أبوابها صباح اليوم الذي أعلن أنه ستتاح فيه الترجمة الإنجليزية لعمله الجديد بكافة مكتبات لندن. وباستثناء ج.ك.رولينج، قال أحد أصحاب المكتبات: أنه لم يكن هناك زحام بهذا القدر من قبل سوى عندما جاء كتاب "ديفيد بيكهام". ربما هذا يوضح لنا حجم الدهشة التي اعتلت أوجه الكثير من البريطانيين الذين راهنوا على فوز موراكامي بنوبل هذا العام ولكنهم في النهاية خسروا رهانهم.

إنه لمن الصعب حصر شعبية هذا الأديب الذي أصبح بمثابة نجم، في الوقت الذي يتحلى فيه بالكثير من التواضع وعدم الادعاء وهو في الخامسة والستين من العمر، عندما قابلته في غرفة اجتماعات مجلس إدارة دار النشر الوكيلة عنه. في رأيي، يبدو موراكامي أصغر بعقد من سنه الحقيقي. هذا الأمر نتيجة النظام اليومي الصارم الذي يضعه لنفسه حيث يبدأ اليوم بفترتين للجري والسباحة. يقول "لأكثر من ثلاثين عام أجري كل يوم نفس المسافة تقريبا التي كنت أجريها وأنا أصغر، ولكن الأحوال اليوم تبدو أنها آخذة في السوء". هو شخص اجتماعي ومهذب كما أنه يميل للصمت، يبدو هذا عليه بشكل واضح. والأمر هنا مختلف عن المقاطع المثير للعاطفة التي تتضح بسهولة في أعماله الروائية. يقول "كل شئ عبارة عن سيرة، ولكن في الوقت نفسه فأنا أغير كل التفاصيل عندما أكتب عمل روائي. من ناحية أخرى، فأنا أتطلع دائما لمعرفة ما سيحدث في الكتاب القادم، هذا الامر يساعدني على إيجاد إجابة على السؤال الذي يؤرقني حول سبب وجودي هنا في هذه الحياة". الشئ المقلق بشكل أكبر ربما يكون الحديث معه حول أن انطباعات القراء عن أعماله تنحصر في تصنيف أعماله على أنها ماورائية، غرائبية. يقول وهو يهز كتفيه مستهجنا  "الأمر ليس كذلك، إنها عفوية للغاية، أنا أكتب ما أود أن أكتب. وسوف أكتشف ما أود أن أكتب أثناء عملية الكتابة".

آخر أعمال موراكامي التي ترجمت إلى الإنجليزية هي "المكتبة الغريبة". وهو كتاب ساخر ظهر لأول مرة كقصة قصيرة في مجلة يابانية منذ ثلاثين عاما، وقد تمت مراجعته عام 2008، والآن يتم العمل على طباعة ترجمته إلى الإنجليزية ليكون متاحا في الأسواق، ليظل اسم موراكامي موجودا على أرفف المكتبات. وقد أضيف إلى الكتاب رسومات مستوحاة من كتب قديمة بمكتبات لندن العريقة. ومثل الكثير من أعمال موراكامي، "المكتبة الغريبة" غرائبية ولاذعة السخرية وبها شئ من روح شريرة. كما أن مسارات الأحداث فيها غير واضحة، ومن الممكن القول أنها قصة سريالية موجهة إلى الشباب ولكن عبر أحداث بها الكثير من الوحشية والفقد. حدث هذا عندما كان يزور طفل مكتبة ما ليبحث عن كتاب عن الضرائب في العهد العثماني. هذا الطفل الذي لم يذكر اسمه طوال القصة يتم اختطافه وحبسه في مخازن المكتبة من قبل رجل عجوز غاشم وكلب مريع. ليظهر بعد فترة من الوقت، شخصية غريبة وغامضة تدعى "راعي الغنم" وهو شخصية تكررت أكثر من مرة في أعمال أخرى لموراكامي. يأتي هذا الرجل لزيارة الطفل وعمل كعك الدونتس من أجله، كما تظهر فتاة بكماء يتم التواصل معها بإشارات اليد. وفجأة ينتهي كل شئ وسط أجواء من العزلة والحزن.

وبشكل بسيط كما هي طبيعتها، تتشارك "المكتبة الغريبة" مع باقي أعمال موراكامي مجموعة من ملامح والخواص المميزة. ليس فقط "راعي الغنم" الذي يظهر في القصة. ولكن أيضا فكرة بطل الروية الذي يجد نفسه فجأة في عالم كافكائي(درامي)، كما تجد أيضا المرأة ذات الروح الغامضة التي تسعى للإيقاع بالبطل. بالإضافة إلى ولع موراكامي الدائم بعوالم ما تحت الأرض. الأمر الذي يُظهر ثيمة استكشافية محببة لمعجبين وقراء موراكامي، حيث تتجلى اللمحات الماورائية المخترقة لحجاب الزمن لتُحدث أثرا في الهواجس المتكررة لشخصيات رواياته المختلفة. وبالطبع يخرج القارئ من العمل بقوائم من موسيقى الجاز، وأنواع متعددة من الاسباجيتي.

ولكن موراكامي باعترافه يقول "أنا لست الرجل الأمثل الذي يأتي من أجل تنوير أوروبا وأمريكا، الناس يقولون عن كتاباتي أنها نوع من كتابات ما بعد الحداثة، أو أنها تنتمي للواقعية السحرية. ولكنني لست مهتما بمثل هذه الأشياء أو التعريفات. فأنا لا أعد نفسه قارئ عتيد لتوماس بينشون أو أي من كتاب ما بعد الحداثة المعروفين".

أسئله: أي أنك لا تتفق مع من يقول أنك تنتمي لعالم الواقعية السحرية؟ فيقول "ربما، أنا أحب ماركيز، ولكنني لا أظن أن أسلوبه في الكتابة هو ما يدعى "واقعية سحرية". أتعلم، إنه مجرد أسلوب في الكتابة. بالنسبة لي، أتوقع أن ماركيز كان يكتب عن واقعيته هو، وأعتقد أنني أقوم بالشئ نفسه. فأنا أكتب عن واقعيتي، عالمي الحقيقي. لو حدث شئ ما غير متوقع، يبرهن ذلك على أنني أقوم بعمل جيد، شئ يستحق أن نعتبره عمل حقيقي. لذلك، لو أن "راعي الغنم" ظهر في عمل لي، يكون هذا الأمر قد حدث بحق معي. أتعلم، لا رمزية هنا، لا مجازات، فقط أنا وهو".

ولكن الشخصيات الرمزية التي تأتي من عالم الموت حقا رائعة. منذ وقت قريب، وقبل أن نتقابل، أخبر موراكامي مستمعيه في احتفال بأحد كتبه أن حلم حياته أن يجلس في قاع بئر. يقول وهو يهز رأسه موافقا "نعم، لقد أخبرتهم بذلك، دائما ما اعتدت على أن أشعر أنني أذهب إلى أماكن مظلمة عندما أشرع في الكتابة. فقط في الظلام استطيع أن أرى حكايتي. لا أظن أن لدي موهبة خاصة أو استثنائية. لا أفكر في الأمر على هذا النحو. ولكنني أذهب أسفل في الظلام واتسائل: أممم.. وماذا بعد !! .. أه .. وهكذا .. "

يسكت قليلا ثم يقول وعلى وجهه إشراقة  "الأمر يشبه الولوج إلى بدروم منزل ما، ولكن في حالتي أدخل إلى بدروم داخل بدروم. الكثير من الناس تستطيع أن تمكث في بدروم منزل، ولكن في حالتي فأنا أذهب إلى بدروم بداخل هذا البدروم". ينظر إليّ وعلى وجهه شئ من الحزن ويكمل "إنه مكان مظلم للغاية، لذا عندما كتبت The Wind Up Bird Chronicle  -وهو كتاب رائع لموراكامي- كتبت عن البطل الذي يجلس في قاع بئر عميق، حيث العتمة والعزلة والصمت التام. هذ ما أفعله وأشعر به وأنا أكتب رواياتي".

تحليل وتفكيك المل في رأيه مهمة الكتاب كما هي مهمة القارئ، يقول "شعفي الأساسي هو كتابة الروايات والقصص. أفعل ذلك لكي أعرف من أنا، إنني في الخامسة والستين من العمر، ولكني ما أزال لدي فضول لمعرفة من أكون وماذا يمكن أن أجد في نفسي، وإلى أي شئ سوف أصير؟ أتعلم، أنا شخص مشهور نوعا ما، لقد بدأت مشواري مع الكتابة منذ أكثر من 35 عاما. بشكل ما أنا ناجح ولدي قراء على مستوى العالم، ولكنني لا أفهم لماذا يحدث هذ لي. إن الأمر يشبه المعجزة في وجهة نظري. فأنا لست شخص عظيم، أو ذكي أو موهوب، ولكنني أكتب، فقط أود أن أعرف لماذا يحدث هذا لي وليس لآخرين، فقط يحدث لي!"

أما قراء موراكامي ومعجبيه، فلديهم رغبة حقيقية في مساعدته على معرفة ذلك. عندما كتب رواية "كافكا على الشاطئ". تصفح موراكامي موقعه ليرى كيف وجد القراء الرواية وما هي أسئلتهم حولها، يقول "أشعر أن الأمر يكون أفضل عندما يكون ديموقراطي. لدي رغبة حقيقية في التحدث إلى قراءي، ولكنني أصبحت أشعر بالإنهاك أسرع مما مضى، فأقول: هذا يكفي. أظن أن الفهم الحقيقي هو تراكم من سوء الفهم متتالي. هذا هو ما اكتشفته. كل قارئ يرسل لي أراءه، والكثير منها ليست أراء صحيحة في وجهة نظري، هم بشكل أو آخر لم يصل إليهم ما أردت إيصاله. ولكن عندما أقرأ رسائل آلاف القراء أقول لنفسي: نعم، إنهم يفهمونني. لهذا أنا أثق في رأي مجموع القراء، ولا أثق في رأي كل قارئ على حدة".

يقول " الرواية تبدأ معي من فقرة، جملة، منظر طبيعي أو لقطات من فيديو. أجد نفسي أرى المشهد الذي علق في ذهني مئات المرات بل أحيانا آلاف المرات كل يوم. وفجأة أقول لنفسي حسنا، سأكتبها". يجد أن الكتب مثل سيمفونيات بيتهوفن التي تتكون من نغمات ذكورية عريضة وأخرى أنثوية حادة.  ويجد أن القصص القصيرة تقع في منطقة ما في المنتصف بين هذين النوعين. يقول "استطيع استخدام أصوات متعددة، أشخاص، أساليب حياة، وأنا أستمتع بذلك. وفي الوقت نفسه هو نوع من التدرب بالنسبة لي".

حسنا ماذا أيضا، يقول "لا أفكر في نفسي على أنني مبدع، ولكنني أعشق الروتين المحدد وألتزم به. مهما كنت محبطا، وحيدا، أو حزينا، روتين العمل المحدد يساعدني على التخلص من كل ذلك، إنني أحب ذلك حقا. في الحقيقة، أفكر في نفسي على أنني مهندس أو بستاني، أو شئ من هذا القبيل، لا أفكر في نفسي أبدا كمبدع، يبدو هذا ثقيلا للغاية بالنسبة لي، لست هذا النوع من الناس، أنا فقط ألتزم بروتين العمل الذي وضعته لنفسي. إنني أركض كل يوم منذ أكثر من ثلاثين عاما، إن هذا الأمر أعطاني شئ ما خاص للغاية. لو فعلت الشئ نفسه لمدة ثلاثين عاما فبالتأكيد ستصل لشئ".

يقول "سأشرع في العمل على كتابي الجديد، بنهاية هذا العام، ولكني لا أعلم عن أي شئ سوف يكون، هناك بعض الأفكار في ذهني، هناك أيضا الكثير من الفقرات في درج مكتبي، ربما يكون الكتاب القادم كبير نوعا ما".
ثم أضاف بشئ من الحسم "ربما يكون كتاب مغامرات!"

رواية "تاسكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه" متاحة الآن بالمكتبات، و"المكتبة الغريبة" ستكون متاحة بداية من 2 ديسمبر 2014.



مقال لـ تيم مارتن بصحيفة التليجراف
ترجمة: محمود حسني
 نشرت الترجمة بعدد جريدة القاهرة بتاريخ 18 نوفمبر2014