الجمعة، 25 يوليو 2014

أنانية الاختيار



 عندما يختل التوازن الذي يحيط بالإنسان، سواء كان هذا الاختلال جاء نتاج تقصير من الدولة في أداء دورها اتجاه أفراد المجتمع، أو جاء نتاج خلل في طريقة التنشأة التي يشترك فيها البيت والمدرسة وعوامل أخرى، فمن الممكن أن يؤدي هذا إلى خلل ليس قليل الأثر في شخصية الفرد.

عندما تضطرب كل هذه العوامل التي تحيط بالنشء فهي إما تجعله يصطبغ بصبغة الإنسان العادي التقليدي الذي غالبا ما تفتر فيه الحماسة ويفقد الثقة بذاته التي هي أكبر داعم لسعيه وراء أهدافه. أو يمكن لهذا الاضطراب أن يصيب الفرد بالتمرد الأهوج اللاواعي على كل شئ، فيتمرد على دراسته وحياته وعمله، لربما ظهر هذا في إدمانه أنواع التدخين والمسكرات المختلفة، أو على العكس لربما أدى به هذا إلى التطرف الديني ونفوره من المجتمع الذي يحيا فيه. فعندما يفقد المرء انتمائه لأسرته ومجتمعه لا يستطيع أن يعيش دون انتماء، وهذه هي اللحظة التي تتلقفه فيها الجماعات الدينية المتطرفة أو العصابات الإجرامية، لتضبغه بصبغتها. فعندما يفقد المرء إيمانه بتفرده، يكون جاهزا لأن يصطبغ بأي صبغة، سواء كانت صبغة دينية متطرفة أو صبغة عصابة خارجة عن القانون.

وبغض النظر عما سيؤل إليه الأمر، فإن كل هذه الانحرافات الفكرية تؤدي إلى تشوه واضح في نظرة الإنسان للحياة ومن ضمنها نظرته لشكل الشراكة أو الرابط العاطفي بينه وبين الإنسان الذي يود أن يكمل مسيرة حياته معه. فتنشأ أنواع من الارتباط فاقدة التوازن بين ما هو عاطفي/ مادي/ عقلي. وهذا المحور الثلاثي هو الذي يحفظ التوازن في علاقة الارتباط بين الرجل والمرأة على مدار حياتهم. وهو الذي يلعب دورا كبيرا في تغلبهم على صعاب الحياة وتجاوزهم لتفاصيلها اليومية وما بها من مشكلات. والأهم من ذلك، هذا المحور هو ما يساعدهم على إيجاد التوازن الذي يُمكِنّهم من تنشأة أبنائهم بشكل صحيح.

وهذا الخلل متشعب (النشأة – الأثر) سيؤدي حتما إلى خلل في قرار الارتباط والزواج. ولأن المرء في هذه الحالة قد افتقد عوامل الموضوعية والتفكير المتزن، فغالبا ما تظهر آثار خطأ هذا القرار بعد الزواج. ومن هنا تبدأ جذور التصدعات الأسرية. وليس هذا مجرد استنتاج نظري ولكنه تأمل لواقع نحياه كل يوم. ومن يمكن أن يشك في هذا فيمكنه أن يسأل ويعرف كم عدد حالات الطلاق أو قضايا الخلع في بلادنا اليوم. وخاصة في السنة الأولى من الزواج.

وهنا أؤكد على حالات الطلاق والخلع في السنة الأولى من الزواج، لأنها السنة التي يظهر فيها بوضوح مدى اتساع الهوة بين طرفي العلاقة وإلى أي مدى يمكنهما العيش معا أو لا يمكنهما. إننا لا نستطيع أن نمنع أعيننا من رؤية سلسلة الأخطاء والاختلالات التي أصبحنا نعيشها بداية من الخلية الأسرية وصولا إلى قيادة الفريق الرئاسي أو الوزاري لشئون الدولة. هذه السلسلة من الاختلالات أو التصدعات أفقدت المجتمع، دولة ومواطنين، القدرة على النظر بموضوعية وتأمل لمؤسسة الزواج وطبيعتها وأهدافها.

إن الأمر تحول عند البعض إلى مجرد رغبة في الارتباط بمن يحب دون دراسة لشخصية المحبوب، وهؤلاء غالبا ما تكون المعوقات المادية التي تواجههم قليلة، ولا تقل نسبة إنهيار بنائهم الأسري عن هؤلاء الذين نظروا إلى مؤسسة الزواج نظرة دينية بحتة فتعاملوا معها على أنها حماية وعفة لهم من الوقوع في جرم الزنا، فأصبح ترشيح الأهل والأصدقاء هو المعيار الأقرب للارتباط بشخص ما وبناء حياة أسرية هشة قائمة على تفريغ الاحتياج الجسدي المُلِح، وكلا الدربين يؤديان إلى تصدع غالبا ما يعمل على هدم البناء الأسري في السنة الأولى من نشأته.

ومن يمكن أن يكون ضحية هذا الاكتشاف المتأخر لهشاشة البناء الأسري سوى الأطفال الذين سيفقدون حقهم في العيش بشكل طبيعي في أسرة مستقرة ماديا ونفسيا. إن أنانية الأفراد واختياراتهم القائمة على رغباتهم الشخصية دون النظر إلى حق من سينجبوهم هي من تؤدي بنا إلى هذا الواقع القاسي، وللأسف فغالبنا لا ينظر إلا تحت قدميه ولا يفكر ولو للحظة أنه في الوقت الذي يطلب فيه حقه في العيش الكريم والتمتع بحياة زوجية مستقرة فهو يجلب مع هذا الحق واجب توفير الحياة الكريمة لأبنائه. ولم تكن الحياة الكريمة بمعناها المادي الضيق يوما هي ما أقصد. فالحياة الكريمة معنى أشمل يدخل فيه الكثير من العوامل التي سنتحدث عنها فيما هو قادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق