ليست المشكلة فقط في السعي وراء الحب. يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا من هذه الكلمات التي نسمعها في الكثير من الروايات والأفلام. لطالما شعر المرء بالإعجاب اتجاه الكثيرات، لطالما أربكه شعوره هذا حتى أصبح يتشكك في صدق مشاعره مع كل مرة ينتابه. كيف يمكن أن تتأكد من أصالة مشاعرك اتجاه شخصا ما، كيف يمكن ألا تنخدع.
ربما يصعب الإجابة
على هذا السؤال. ربما هذه الأسئلة لم توجد كي نسعى وراء إجابات لها. هي أسئلة
وجودية، كالسؤال الأبدي: ما الحب ، ما معنى الحياة، وغيره. ربما نقارب ولكننا لا
نستطيع أن نتيقن من مدى قربنا من قلب الحقيقة. وعلى الرغم من أن الأدب دائما ما
أبرز بشكل لم يكن مجهزا له من قبل أن المشاعر الإنسانية واحدة، وأن الآلام
والأحلام واحدة. لكن يبقى للإنسان الفرد تجربته الفريدة ودربه الذي يستكشفه بنفسه.
يبقى له طعم المرارة ونشوة السعادة. يبقى له أن يشعر بأن أجمل الأشياء هي دائما
أبسط الأشياء كما قال جلال الدين الرومي.
ولكن لا بأس من المحاولة. لا بأس من أن نحاول التأمل في السؤال الذي دائما ما حير بني آدم. كيف يمكن أن أتيقن من أصالة ما أشعر به اتجاه شخص ما. ربما يجب عليّ هنا أن أتحدث بصفتي رجل، من جهة، كي يمكنني التعبير عما أفكر فيه بشئ من اليسر. ومن جهة أخرى كي أصرح أن الغوص في روح المرأة واستكشاف حقيقتها أمر ربما لا أستطيع كليا أن أفعله وإن فعلته سيكون من الصعب التعبير عنه.
سأقول ربما، ربما هنا ستجعلني اعترف بعجزي بداية، وتجعل القارئ يعرف أنني لا أقدم الحكمة الخالصة ولا أدعي الفهم الشامل. ربما أشعر يوما بصدق المشاعر التي أكنها اتجاه حبيبتي عندما أجد أنها أصبحت تمثل لي أكثر من حبيبة. عندما أجد أنها في وقت ضعفي قد أصبحت أمي، عندما تفاجئني أنها وقت حيرتي قد أصبحت أختي، عندما أحدثها عن هاجس يدور في ذهني كما أحدث صديقي، عندما أشعر بالرغبة في رعايتها كأنها ابنتي. إنني لا أستطيع الإحساس بصدق مشاعري اتجاه المرأة التي أحبها إلا عندما أجد أن علاقتي بها قد تعوض أي علاقة بيني وبين أي امرأة مهما كان الرابط بيني وبين هذه المرأة.
قد أجد الهجوم الآن قد بدأ من طرف المرأة عليّ لأنني قد تحدثت بصيغة الرجل، ولكن كي أكون منصفا، أجد أن الحال بالنسبة لكم هو نفس الحال بالنسبة للرجال. عندما تشعرين أن حبيبك يمكنه أن يكون أبيكِ، أخيكِ، صديقِك، وولدِك. حينها يمكنك أن تطمئني ولو بدرجة ما إلى أن ما تشعرين به اتجاهه ليس مجرد ميل عاطفي. وأن حبيبك قد أصبح أكثر من حبيب.
ولو أن الأمر يتوقف على مدى يقيني مما أشعر به اتجاه المرأة التي أميل إليها، لتكفل الوقت بثبوته أو خفوته. كيف يمكن لي أن أتيقن من الحب في بلد نضب فيه الحب، تشققت فيه أراضي الحب بكل أشكاله، إن وطننا يجعلنا نشعر أننا نتآكل من فرط الحيرة والخوف. وكلما ازدادت حيرة المرء وخوفه كلما ازداد لجوئه لمن يتدثر به، صديق أو حبيبة أو معلم. إننا نحتاج لحالة الحب وننغمس فيها دون النظر لشخص الحبيب لأننا نحاول تعويض أنفسنا بشئ يهون علينا الحياة في هذه البلد الجدباء.
ومع أن للحب الذي نشعر به اتجاه الآخرين الكثير من
التجليات كحب الوالدين، الأشقاء، الأصدقاء، المعلمين، الأقارب وصولا للميل العاطفي
المركب اتجاه الجنس الآخر. إلا إننا سنهتم بالنوع الأخير: وهو الميل العطفي اتجاه
الطرف الآخر، أي الشعور أن هناك شئ ما يدفعك اتجاه امرأة بعينها مهما تفوقت عليها
الأخريات من في الجمال. ونفس الشئ بالنسبة للمرأة: أن تشعر بالميل اتجاه رجل بعينه
مهما تفوق عليه رجال آخرين في المركز الاجتماعي والمال وغيرها من الأشياء. وهذا
الشعور يختلف في الكثير من طبيعة تركيبته عن الشعور بالدافع الجنسي والذي تتساوى
فيه جميع النساء أمام الرجل، و يتساوى فيه جميع الرجال أمام المرأة.
فالشعور بالحب قد يكمن في اكتشاف أن هناك شخص بعينه هو من تشعر أنه يستطيع أن يمدك بالسكينة والمودة والرحمة. شخص يجعلك ترى أنه يمكنك أن تؤسس معه حياة يومية تتشاركا مباهجها وتتغلبا على صعوباتها. ومن الصعب أن تنشأ علاقة زواج سوية، خاصة في واقعنا المعاصر دون أن يكون الحب بمثابة أبجدية للعلاقة. فلا يمكن للشاعر أن يكتب قصيدة بلغة ليس بها حروف، ولا يمكن أن تبني بيتا دون لبنات. وأود هنا أن أتوقف لأوضح أن كلماتي هذه لا تعني الدعوة لأن يكون الشعور بالحب وحده هو السند الذي من ممكن أن يبنى عليه علاقة ارتباط حقيقية وأصيلة. فالأحرف وحدها ليست كافية لكتابة القصيدة دون خيال الشاعر وجهده، واللبنات لا يمكن أن تبني بيتا دون تصميم دقيق ومجهود كبير.
إن الحب أساس ولكنه ليس البناء، الأحرف ولكن ليس القصيدة. بدون أن تحب رفيق الحياة اليومية لا يمكنك أن تتحمل معه شظفها، ولا يمكنك أن تؤسس معه مناخ دافئ لتنشئة بذوركما ورعايتها. ولكن أيضا بالحب فقط ودون تضافر الكثير من الأفكار والعوامل سيكون من العسير أن تواجها تقلبات الحياة وصعابها، ناهيك عن التغلب عليها. فالمشاعر كثيرا ما تمر بفترت تقلب، خفوت، فتور وأحيانا أيضا نضوب. وهنا سيحتاج شريكا الحياة إلى شئ أكثر استقرارا من المشاعر المتقلبة بطبيعتها. وهذا ما سنحاول الإلمام بشئ يسير منه فيما هو قادم.
المشاعر تحتاج إلى فكر كي يعضد وجودها وتركن إليه وقت المحن. فيا كل امرأة ويا كل رجل: لا تبني حياتك إلا على الحب.. ولا تبنيها فقط على الحب.
وجهة نظر اخشى انها حالمه قليلاً .
ردحذفمقال جميل اخي الكريم بالرغم ان يمكن اختصاره ..
بالتوفيق ..