لم أظن يوما أن
قرار الزواج من السهل اتخاذه، ورأيت دوما أن الأمور تحتاج إلى الكثير من
التأمل ووجود مشتركات يمكن على أساسها بناء حياة حقيقية. إن هذا القرار لا يؤثر
فقط في طرفي العلاقة، ولكن أثره الأكبر يكون على من سيأتوا إلى هذه الحياة كأثر
هذا القرار، أي أبنائنا.
ومن السهل إدراك
أن هذا القرار يحيط به الكثير من الإشكاليات والمعوقات مثل التكوين الفكري للأفراد
ودور الدولة اتجاههم وطريقة تنشأتهم، بالإضافة إلى تفاصيل ما قبل
الزواج الذي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تمتلئ بأسوأ صور الاستغلال المادي مهما
اختلفت الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها طرفي العلاقة وأسرهم. ويتساوى في هذا
الجميع، بداية من الأكثر فقرا وصولا للأكثر غنى.
ولأن الزوج
والزوجة في بداية حياتهما دائما ما يتعرضن للكثير من الضغوطات الآتية من الواقع
المحيط بهما، كما إنهما مسئولون بشكل أساسي عن تنشئة أبنائهم، قد يفكر البعض في احتياجنا
لتدخل الدولة من أجل إقرار مدى صلاحية أفراد المجتمع ومدى استعدادهم للإقدام على
خطوة الزواج على هيئة اختبارات مثلا للمتزوجين. ولكنني أرى أن هذا النوع من الاقتراحات لن يصل بنا إلى تغيير حقيقي.
لأن نجاح هذه الاختبارات سيعتمد بشكل أساسي على كفاءة الجهاز البيروقراطي للدولة.
فإن كانت الدولة
مترهلة، فإن اختباراتها ستكون بنفس الطابع. وبالتالي قد نصل في النهاية إلى
حقيقة أن تدخل الدولة في هذا الأمر يشبه في وجه من وجوهه تدخل الأسرة. فلو كانت (الأسرة –
الدولة) قامت بدورها اتجاه (ابنائها – مواطنيها) وساعدتهم في بناء شخصيتهم وأمدتهم
بالمساحة التي تمكنهم من اتخاذ القرار
وتحمل مسئوليته، لما احتاجت أي من الأسرة أو الدولة إلى التدخل بهذه الطرق في قرار
الزواج. إن (الأسرة – الدولة) الحقيقية هي التي يمكنها أن تطمئن إلى أن (ابنائها –
مواطنيها) قادرين على اتخاذ القرارات التي تؤثر في مسار حياتهم دون إجبار أو توجيه متعنت. ولهذا فإننا لا نحتاج
لهذه الطريقة كي نصحح قرار (ابنائها - مواطنينا) بل نحتاج إلى إصلاح (الأسرة – الدولة). وتحمل مسئولية اتخاذ القرار هو بداية طريق الإصلاح الجذري.
إن نجاح المرء في
حياته العملية يعد جزء أساسي من نجاحه في حياته الشخصية. إن الدولة الضعيفة تخلق
مواطنا جبانا، والأسرة الهشة تخلق ابنا منحرفا، ولا أود هنا النظر إلى الاستثناءات
التي خرجت من قاع القهر والفقر والظلم، في الحقيقة لا تعنيني في شئ ولا يثيرني
نجاحها ولا يلهمني. ولكن ما يعنيني هو أنه كان من الممكن أن يكون هناك مئات الآلاف
من أبناء هذا الوطن الذين كانوا في امكانهم أن ينجحوا مثل هؤلاء الاستثناءات لو توفرت لهم
البيئة التي تمكنهم من العيش الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق