إن قيام الدولة
بدورها اتجاه أفراد المجتمع لا يعني أن مشاكل هذا المجتمع قد حُلّت. ولكنه ينقلنا
لمستوى آخر أو زاوية أخرى يمكن من خلالها أن نرى معوقات مختلفة تتشارك فيها
المسئولية بين الأفراد والدولة على السواء ولا تقل أهميتها عما تحدثنا عنه في
المقال السابق.
إن تفاصيل ما قبل
الزواج تمثل عائقا حقيقيا في مجتمعنا. إن الأمر أصبح عقدة غير عادية أمام قرار
الزواج. ففي اللحظة التي يشعر فيها طرفي العلاقة أنهما يرغبان في أن يكملا حياتهما
مع بعضهما البعض، يبدأ تدخل الأهل في كل تفاصيل ما قبل الزواج. إنني هنا لا أدعو إلى
تهميش حق الآباء والأمهات في مشاركة طرفي العلاقة الرأي حول تفاصيل الزواج. ولكن
الأمور لم تكن يوما مشاركة، بل تحكما وغلظة وتطرفا في نوعية المطالب التي
يطلبها أهل الفتاة أو الشابة، وعلى الجانب الآخر يكون العناد هو موقف أهل الشاب.
فبدلا من أن يكون
الجانب الأكبر من فترة ما قبل الزواج مكرسا للنقاش والتوافق بين طرفي العلاقة حول
تفاصيل الحياة ما بعد الزواج وكيفية تدبير الأمور، ووضع شئ من الأساسيات أو
المبادئ التي يمكن عليها بناء حياة يغلب على طابعها الهدوء والاستقرار، نجد أنه
يتم تهميش كل هذه الإشكاليات غاية الأهمية، ويصبح الحديث طوال الوقت حول
التفاصيل المادية: ما شكل الشقة، موقعها ومساحتها، نوعية الأثاث، ثمن الشبكة، أين
سيقام العرس وما عدد المدعويين، بل ويصل الأمر إلى احتدام الخلاف حول نوعية الطعام
الذي سيقدم للمدعويين.
إن هذا التدخل
المقيت من الأهل يثير الاشمئزاز، فالآباء أصبحوا يتعاملون مع مؤسسة الزواج بنفس
تعاملهم مع الصفقة. إن هذا دون أدنى شك يؤثر في طريقة تفكير طرفي العلاقة، كما أنه
يفسد عليهما الكثير من الأشياء الهامة والتي قد اتفقوا عليها من أجل تفاصيل سطحية
وسخيفة. إن هذا الشكل من التدخلات والمشاكل التي يفتعلها الأهل ما هي إلا نتاج
شعور بالأفضلية على الطرف الآخر، شئ من الغرور الكاذب والتباهي أو التفاخر الأجوف.
فأم الشاب تتعامل مع ابنها بمبدأ: عقمت النساء أن ينجبن مثل ابني، وبالتالي فهو يستحق أميرة الأميرات، في الوقت الذي من الممكن أن يكون فيه ابنها فظ، غليظ، لم يكمل تعليمه، ولم يقرأ كتابا في حياته. وعلى الناحية الأخرى فإن والدة الشابة تغالي في مطالب الزواج وفي ثمن المهر والشبكة وكل هذه التفاصيل، تضع قيودا على الكثير من الأشياء تحت داعي أنها تريد أن تؤمن مستقبل ابنتها، وهي لا تعلم أن الكثيرات من قبلها قد حاولن فعل ذلك وفشلن. إن هذه الطريقة التي تتبعها أم الفتاة لا تدل على شئ سوى أنها تعتبر ابنتها سلعة، ستبيعها لمن يدفع أكثر، مهما كان ما يقال من حجج وأسانيد تدحض ادعائي هذا، فإنها ستكون محض كلام هش لا يزن شئ أمام حقيقة مجتمعنا التي نعايشها.
إن أسرنا
بها عقدة ذنب وتقصير كبيرة مستقرة في قاع اللاوعي الخاص بها. هذه العقدة نتيجة عجزها
عن تنشأة أبنائها نشأة حقيقية. إن الشعور بالذنب ليس ناتجا فقط عن التقصير، بل عن الوقت الذي احتاجوه كي يكتشفوا تقصيرهم وهم يواجهون فشل ابنائهم في خوض غمار
الحياة وانحراف دروبهم، في الوقت الذي أصبح فيه الآباء عاجزين عن تحريك
ساكنا. إن الآباء والأمهات يحتاجون إلى أن يخوضوا غمار واجب تربية ابنائهم
بالكثير من الشجاعة والتواضع. إن عملهم يتركز في مجمله حول السعي لجعل ابنائهم شخصيات
مستقلة قادرة على اتخاذ القرار وليست تابعة لهم. إن هذه الطريقة في التربية هي من
ستجعل ابنائنا قادرين في الوقت المناسب أن يتخذوا قرار الارتباط بالإنسان المناسب ليبنوا
حياتهم الخاصة معه. إن استقلالية الإنسان وتحمله مسئولية اتخاذ القرار هي ما تجعل
قراراته أقرب للصواب منها إلى الخطأ. وهذا هو ما يجب أن يدركه آبائنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق