إن كل فريق منهما يأتي بألف سبب وحجة تعضد تقوي وجهة نظره. حيث رجال الدين يجدون في عمل المرأة اختلاطا مذموما يقع تحت طائلة الشبهات التي يجب أن نتقيها، وأنه ليس للمرأة سوى بيتها وابنائها وزوجها وما إلى ذلك. وعلى الجانب الآخر فإن جمعيات حقوق المرأة ترى في المرأة فردا من أفراد المجتمع له حق المشاركة وتأدية دوره وتحقيق ذاته دون النظر لأي اعتبارات أخرى من الممكن أن تؤثر على دورها ونجاحها الشخصي. ويظهر بوضوح أن كلا النقيضين قد أغفل الجانب الآخر للمرأة، حيث كل جماعة أخذت جانبا من جانبي المرأة وشددت على انتماء المرأة لهذا الجانب دون غيره.
إن ما يجب أن يكون
مستقرا وراسخا في أذهاننا هو أن المرأة أم وزوجة وأن هذا جزء من طبيعتها التي تشكل
وجودها الإنساني. وهي أيضا في الوقت نفسه فرد من أفراد المجتمع له شخصيته وطموحاته
التي يجب أن تكافح حتى تصل إليها. إن رجال الدين لا يفهموا ولا يريدوا أن يفهموا
أن عمل المرأة يقوي من شخصيتها ويزيد ثقتها بنفسها ويثقلها بتجارب الحياة الهامة
لها ولفكرها الذي سيتشربه أطفالها، بل ويجعلها أكثر قدرة على اتخاذ القرار ومساعدة
بنائها الأسري برجاحة عقلها والتغلب على صعوبات الحياة اليومية سواء كان ذلك ماديا
أو فكريا.
كما أن جمعيات
حقوق المرأة في أساسها الوجودي قائمة على تفعيل دور المرأة كفرد من أفراد المجتمع
وعدم الوقوف عند أي نزعة عاطفية، كالأمومة مثلا، من الممكن أن توقف طموحها. هذه
الجمعيات سواء بقصد أو عن غير قصد أول ما تحاول الوصول إليه هو تجريد المرأة من نزعة
الأمومة، حيث ترى أن جزء من العبودية التاريخية التي وقعت فيها المرأة اتجاه أسرتها
وزوجها يكمن في نزعتها لإنجاب وتربية الأطفال. إن الهدف تفكيكي في أساسه، رافضا
للبناء الأسري شكلا ومضمونا. ويمكننا أن نرى أثر هذه التفكيك في تزايد حالات الانتحار
وإدمان المسكرات وغيرها من صور انهيار البناء الأسري في المجتمعات التي تدعي أنها
أكثر تقدما. هذه الكلمة الأكثر تعميما والتي توحي أن الدولة التي تحظي بوضع
اقتصادي أفضل من البديهي أن تكون متقدمة في كل شئ آخر. هذه الفكرة التي تنتفي ليس
فقط مع النظرة المجردة بل مع الواقع الذي تعيشه الحضارة الرأسمالية في عالمنا
المعاصر.
إن علاقة المرأة
بأولادها سابقة لحضورهم إلى الحياة، حيث تتشكل وتزداد وتغمر المرأة مع بداية
معرفتها أنها تحمل في داخلها بذرة ابنها، هذا الوضع الذي تطفو عليه هالة من
القدسية من الصعب أن تنتزعه من داخل المرأة. وإن نجاحهم في نزعه عن البعض أدى إلى
نتائج نفسية وإنسانية ليست بالهينة. إن النقيضين الذي يحاول كل منهما أن يجتذب
أكبر عدد ممكن من المؤيدين لا يمثلا كل الحلول. إن الطريق الوسط بين هذه
المتناقضات موجود، أطروحة تشمل أركان طبيعة المرأة بداية بكونها إنسان ذو نزعة
فطرية خاصة وصولا إلى كونها جزء أساسي من بناء اقتصاد المجتمع.
يطرح دكتور
عبدالوهاب المسيري دراسة بعنوان "قضية المرأة: بين التحرير والتمركز حول
الأنثى" وهي دراسة صغيرة في عدد أوراقها (52 صفحة) كثيفة في أفكارها
ومحتواها. في هذه الدراسة يوضح المسيري الفرق بين دعوات تحرير المرأة التي يقف
بجانبها ويساندها وبين الحركات النسوية التي ليس لها علاقة بتحرير المرأة بل تسعى
وبدون توقف إلى تفكيك البناء الأسري ومؤسسة الزواج من حيث المبدأ. إن ما حاولت
الحديث عنه اليوم لا أظن أنه سيكتمل في ذهن القارئ دون قراءة هذه الأطروحة المهمة.
إن كل امرأة وكل رجل يحتاجون لقراءة هذه الدراسة وتأملها بشكل حقيقي.
إنني أقف بجانب حق
المرأة في العمل ومنافسة الرجل في كل المجالات. أقف بجانب حقها في الحصول على فرص
متكافئة سواء كان ذلك أكاديميا أو في سوق العمل. ولكنني لا أقف بجوار نزعة المرأة
من بنائها الأسري، أبنائها، وزوجها من أجل أن تعمل عارضة أزياء، أو راقصة في ملهى
ليلي، أو فتاة إعلانات يُستغلّ جسدها تحت دعاوي تحرير المرأة. إن أهمية المرأة
المثقفة صاحبة الوعي لا يمكن أن ينكرها عاقل. بل إنني أقف جانب القول الذي يرجح
أهمية المرأة المتعلمة المثقفة أكثر من الرجل المتعلم المثقف. لأن ثقافة المرأة
وجودة تعليمها لا ينحصر فقط في تنمية ذاتها وبناء شخصيتها بل يمتد ليشمل التأثير
في بنائها الأسري بأكمله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق