السبت، 31 مايو 2014

مراد في 1919 .. هل تراجع بالعودة إلى الماضي

559




ليس غريباً ملاحظة أن الإنتاج الفكري للكاتب لا يسير دوماً في إتجاه تصاعدي من ناحية جودة العمل، أو من جهة أصالة الفكرة. ولكن غالبا ما يتخذ شكل المنحنى في صعوده وهبوطه. فتجد أعمال إستثنائية تارة، وأعمال عادية أو سيئة تارة أخرى. وباعتبار ما سبق أساساً فكرياً يساعد على النظر فيما كتبه أحمد مراد – مثلاً –  بشئ من الموضوعية؛ سيتضح أنه قد بدأ منحناه الأدبي بالصعود مع أول أعماله “فيرتيجو”، ووصل لذروة الصعود مع ثانيها “تراب الماس”، ثم بدأ بالهبوط مع ثالثها “الفيل الأزرق” ووصل إلى أدنى مستوى من الهبوط مع روايته الجديدة “1919″.
إنتظر الكثيرون هذه الرواية بشغف. وكان لحملة الدعاية التي قادتها دار الشروق دوراً كبيراً في هذا. حملة دعاية نافست حملات دعاية الأفلام السينمائية (ليس غريبا أن يجد القارئ كتابات مراد أقرب للسينما منها إلى الأدب)، بالإضافة إلى ذلك، وصول الفيل الأزرق للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. كل هذه العوامل جعلت إقبال جمهور القراء – خاصة الشباب – على الرواية كبيراً وبشكل غير معتاد. وماهي إلا أيام قلائل مرت على صدور هذا العمل حتى ذاع خبر أن الطبعة الأولى قد قاربت على النفاذ. وكل هذا يجعلنا نتسائل من جديد: هل اسم الكاتب أو دار النشر أو الدعاية أشياء كافية لتجعلنا نظن أن رواية ما جيدة؟ بل هل رواج رواية ما يكفي لنقطع بأنها تستحق هذا الانتشار؟ ليس من السهل دوماً الإجابة على هذا السؤال المركب والمتشابك.
وبعيداً عن الصخب المصاحب لصدور الرواية وتحيزات بعض القراء المبالغ فيها سواء في التأييد أو الرفض. هناك أشياء يجب الحديث عنها في هذا العمل الذي حاول مراد من خلاله أن يتحرر من قالب اعتدنا أن نراه فيه. قالب ظهرت سماته في أعماله السابقة وتسبب في نجاحها. فهل نجح مراد في التحرر من قالبه هذه المرة؟ هل استطاع بالعودة إلى الماضي أن يفاجئنا ببعد آخر لفكره وقلمه لم نستطع أن نراه من قبل؟
افتقد مراد في 1919 لعنصر التشويق؛ والذي كان محوراً أساسياً من قبل، وسبباً مهماً في رواج أعماله بشكل ليس عاديا بالنسبة لكاتب عمره قصير نسبياً في الإنتاج الأدبي. غاب عنصر التشويق فشعر القارئ بترهل البناء الروائي، وظهر عدم التناسق في الربط بين مسارات الأحداث المؤثرة وتفاصيلها الصغيرة وما ترتب على ذلك من تسرب الملل إلي القارئ خاصة مع طول الرواية، وشعوره بضعف تماسك العمل. كما وضح أيضا قصور طريقة السرد وعجزها عن التعبير في أكثر من موقف؛ الشئ الذي كان متخفياً في حضور عنصر التشويق في الأعمال السابقة.
ويُعد وضوح التفاصيل الحسية للشخصيات الرئيسية والثانوية من الأشياء الجيدة في هذا العمل. ولكن لم يُتقِن مراد التعبير عن مشاعر الشخصيات وهواجسها بنفس الوضوح. هناك بعض الافتعال في طريقة انجذاب الشخصيات لبعضها البعض (ليس عاديا أن كل شخصية تحب شخصية أخرى من أول مرة تراها)؛ ومما زاد من الافتعال هو عدم ملائمة اللغة في بعض الأوقات للظرف الزمني الذي تدور فيه الأحداث. فظهرت اللغة في بعض الأحيان منفصلة عن واقع الشخصيات مما تسبب في ظهور بعض التشوهات في طريقة الحديث بين بعضها البعض.
أتقن الكاتب رسم الخلفية التاريخية للعمل وساعده على ذلك كونها فترة لا تحتاج إلى جهد بحثي كبير. لأنها من الفترات التي تم تأريخها بشكل جيد للغاية. وعلى الرغم من من وضوح الخلفية التاريخية للعمل إلا أن الكاتب افتقد التعبير بأصالة عن عمق التجربة الإنسانية لشخصيات روايته؛ والتي دوما ما تكون قادرة على جعل القارئ يعيش أحداث العمل الروائي التاريخي كأنه جزء منها. ويظل أفضل ما في الرواية هو تشابك مصائر الشخصيات وخاصة في النهاية التي أعطت شئ من الحيوية لهذا العمل الذي يتسم بفتور واضح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق