هو الذي يمكنه أن يجلب الأمن للحارة، ولكن
هل يستطيع أن يجلب الأمان؟ يهابه الجميع، يعرف كل ما يدور في حارتنا، لا
يترك صبيانه دبة النملة إلا وأخبروه بها. لم يكن له أن يصبح فتوة الحارة
الجديد إن لم يهزم فتوتها القديم. تمر حارتنا هذه الأيام بأزمة كبيرة. فعلى
مدار سنوات طويلة، تكالب عليها الجميع وسرقها طوب الأرض، حتى أصبحت أشبه
بخرابة كبيرة. كل من استطاع أن يهاجر منها فعل ذلك. لم يبق فيها سوى
المتشردين والمتسولين والمغيبين والفتوات وصبيانهم وحفنة ممن لم يستطيعوا
مهاجرتها لأسباب متعددة، ومعهم أهل الخير الذين رأوا في الهجرة منها ضعف
وهروب.
يأتي الفتوة الجديد بدعم من غالبية
كهول أهل الحارة ونظرة ريبة من شبابها، يأتي- كما يقول – ليخلصهم من شر
الفتوة القديم. صراحة، منذ فترة طويلة لم تهلل الحارة لقدوم فتوة كما تهلل
لهذا الجديد. طالما اشتكى أهل حارتنا من ظلم الفتوات وتجبّرهم في الأرض.
ولكنهم اليوم يستقبلونه بالرقص والزغاريد. غريبة حقا هي حارتنا، هل فكر
أهلها، ولو لمرة، أنها لا تحتاج لفتوة يحميها، بل لوكيل عنها وعن أهلها
يُصرِّف شئونها وشئونهم بمشورتهم؟ هذا هو السؤال الذي أدعي أن نجيب محفوظ
كان سيسأله لو كان حيّ يرزق بيننا.
ولكن نجيب محفوظ كتب الإجابة عن سؤاله منذ زمن. كتبها في روايته “أولاد حارتنا”.
فقال: “ومن
عجب أهل حارتنا أنهم يضحكون! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر أياً كان
المنتصر، ويهللون للقوي أياً كان القوي، ويسجدون أمام النبابيت، يداوون
بذلك كله الرعب الكامن في أعماقهم. غموس اللقمة في حارتنا الهوان. لا يدري
أحد متى يجيء دوره ليهوي النبوت على هامته“
هل يمكن أن تطابق إجابة واقعنا الذي نحياه اليوم كما تطابقه هذه الكلمات!
ولكنني لا أكتفي بإجابة واحدة. مهما تجلت
آيات الحكمة فيها. فها هو جورج أورويل يجلس مع نجيب محفوظ في قهوة ريش بوسط
البلد ليحتسوا القهوة. يفكر جورج أورويل لبرهة من الزمن في إجابة محفوظ.
تتردد بين جنبات رأسه صدى روايته “1984″ التي لا أظن أن هناك بشر يمكنه
يوما ما أن يكتب شئ مثلها. ينظر له محفوظ بتأمل وعلى جانب شفتيه ابتسامة
بسيطة ويسأله: لم كل هذا التفكير يا صديقي؟
يخرج جورج أورويل عن صمته وينفض خيالاته
ويقول له بصوت مسموع ولكنه كمن يحدث نفسه: هل يمكن أن يكون الفتوة في أولاد
حارتنا هو الأخ الكبير الذي يراقبنا جميعا في 1984! هل يمكن أن يكون
الفتوة الذي يدعو الناس إلى تحمل المشقات والنوم نص بطن هو من يصدح إعلامه
بدعوات التقشف وتقليل النفقات!
هل مازالت تُصدِق حارتك أعداءه
الوهميين! هل مازالوا يظنون أنه – هو وحده – من يستطيع أن يوفر لهم الأمن
ولو على حساب حريتهم! ما قيمة كل ما كتبنا إن كانوا مازالوا يصدقونه! هل
سنظل نتأرجح بين أخ كبير يراقبنا أو فتوة حارة يذيق أهل حارته المرارة! إلى
أين يمكن أن يقودنا هذا العبث! متى سينتزع أهل الحارة الخوف من قلوبهم،
متى سيتوقف أعضاء الحزب عن نفاق الاخ الكبير. متى يمكننا أن نسير في بلادنا
مرفوعي الرأس منتصبي الظهر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق