الاثنين، 8 سبتمبر 2014

سيكولوجيا المجتمع .. بين "اثبت مكانك" و "مايستهلوشي"


ليس من السهل على أي مجتمع ألا يعبر عما يشغل عقله وضميره الجمعي، ولهذا ابتكر الإنسان الكثير من أشكال وصور مختلفة لهذا التعبير، وهذه الصور هي ما يمكن أن نسميه مجازا "الثقافة". فكان الفن بكونه جزءً من ثقافة المجتمع هو أحد أهم أشكال التعبير عنه وأفضل ما يمكن أن يعكس ما يشغل الوعي الجمعي. ومنذ نشأة مجتمعنا على ضفاف النيل منذ خمسة آلاف سنة تقريبا وإلى يومنا هذا، كان للفن أثرا ليس بقليل في تشكيل فهمنا للحياة وتقألمنا معها فضلا عن تعبيرنا عنها وعن ذاتنا.

وعندما خرج المصريون من كل شرائح المجتمع في يناير 2011 ليرفضوا الظلم والفساد، ويلعنوا مثبطي الأحلام وقاتلي المواهب، وجدنا الطاقات الفنية المختلفة والفريدة تلهب حماس الجماهير وخاصة الشباب وتلهم الكثير من المفكرين والأدباء.

فكانت أغنية مثل "اثبت مكانك" لفريق كايروكي تعبر بشكل فريد عن ذروة المشاركة الوجدانية بين أفراد المجتمع. حيث كان الألم النفسي ينتاب كل من خاض غمار الثورة بعد أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، ودخل الكثير من الالتباس على عقول الناس.

فبدأت الأغنية بمقطع يزيل كل هذا الارتباك والتردد حيث قالت "اثبت مكانك .. هنا عنوانك .. دا الخوف بيخاف منك .. وضميرك عمره ما خانك". وكأنها تقول لنا إن ثبوتنا على طريق الثورة هو الحق وسط كل هذا الباطل، كما أن توزيع لحنها على هيئة دقات طبول النفير الذي يحفز كل من يتقاعس وتدفعه ليكون وسط كل من يدافع عن حقه في العيش الكريم جعل للأغنية روح قوية وآسرة لنفس كل من يستمع إليها.

وبعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على بداية الثورة، مرورا بكل التقلبات التي أصابت بلادنا وكل ما ضُحيّ به من أجل الحرية والكرامة، حل الإنهاك وأصاب الإحباط واللامبالاة قطاع كبير من الشباب، الذين هم وقود البلد وطاقتها. فكان من الطبيعي أن تنال الأعمال الفنية نصيبها من هذه التقلبات لتتأثر جودة ما ينتج وأصبح التجديد والابتكار شئ نادرا ما نجده.

حتى أتت أغنية بعنوان مايستهلوشي، تظهر فيها شخصية أبلة فاهيتا والموزع الشاب حسن الشافعي، فشعر المرء بالارتواء بعد فترة من النضوب الفني. وأعادت هذه الأغنية الكثير من البهجة التي ظننا أننا فقدناها أو كدنا أن نفقدها.

ولكن كيف يمكن للفن أن يعين على البهجة ويبعثها من جديد من بين ثنايا مجتمع احتضنت بيئته الكثير من أشكال الكراهية والتشكك في الآخر. هنا نجد الفن متمثلا في الأغنية يتجاهل الواقع اليومي بشكل متعمد لأنه أصبح مصدر أساسي للاكتئاب، وفي الوقت نفسه ركز على تفاصيل الحياة الصغيرة ليبعث منها ما يعيننا على الابتسام ويدخل إلى نفوسنا شئ من البهجة التي تعيننا على الاستمرار العيش.

فبجانب اللحن الذي امتزجت فيه موسيقى "التكنو" بالناي والعود والشرقي، تجد الكلمات في إحدى المقاطع تقول "هلبس نضارتي.. والعب مزيكتي.. وهعيش بطريقتي.. ولو عكس الناس".

هنا يظهر الفن لينتشلنا من الإحباط الذي أصاب الوعي الجمعي، ويعيننا على الحياة بعدم الاكتراث لما يراه أو يريده الآخرين، والعيش بالطريقة التي تناسب خصوصية واختلاف أحدنا عن الآخر.

فالفن في "اثبت مكانك" و "مايستهلوشي" عكس الكثير مما يدور في في عقل المجتمع وكشف إحباطاته وآماله وتقلباتها على اختلافها، ولو اختلفت في كل مرة طريقة تعبيره عنها. فنعدما يكون هناك حالة يعيشها وجدان المجتمع، تجد الفن يعبر عنها بأقوى ما يكون. وعندما تتفتت مكوناته تجد الفن يبحث عن سبيل من أجل استمرار تدفق الحياة في ابناء المجتمع الواحد مهما كانت اختلافاتهم.

إننا نحتاج إلى الفن. نحتاجه في وقت الثورة، والاحباط، والحرب، والعمل. نحتاجه لأنه لا يوجد فنان متطرف، أو رسام إرهابي، أو موسيقي تكفيري. الفن يهذب أرواحانا ويعمق من إنسانيتنا ويساعدنا على فهم أنفسنا والآخرين حتى وإن لم نكن واعيين أو مدركين لحقيقة تأثيره المستمر في وجداننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق