الاثنين، 6 أكتوبر 2014

خيالات الضوء في مكتب براءات الاختراع


راح أينشتاين يطارد الضوء خلال وبعد المرحلة الجامعية. ولسوء الحظ، راح يضايق أساتذته بأسئلته إلى حدّ أنهم جميعًا رفضوا إعطاءه تزكيات لاستكمال دراسته. وفي رسالة لأحد أصدقائه وصف الشاب ألبرت أينشتاين نفسه بأنه مهمل وانعزالي وغير محبوب. وكان ينظر إليه العقلاء من الناس على أنه شخص بليد. وبعد تخرجه من الجامعة وجد نفسه على خصام وشحناء بشكل دائم مع الأوساط الجامعية والعاملين فيها، فأحبطه ذلك بشدة، وأصبح من سيكون أهم عالم في تاريخ العلم مُغرَقًا في التبطل والكسل. ولهذا، قبل أينشتاين وظيفة قليلة الأجر في مكتب تسجيل براءات الاختراعات السويسري.

كانت حياته بعد زواجه من صديقته الجامعية صعبة وقد كافحا كثيرًا. ولكن كل هذا لم يكن ليضايق ألبرت أبدًا. فهناك شيء لافت للنظر في طبع أينشتاين، وهو أنه كان متمركزًا حول ذاته. كان لا يبالي إلا بما يستحوذ عليه من أفكار، ولا يهتم كثيرًا بمن حوله. كان صديقه ميشيل بيسو يعرف أن أينشتاين يحب النظريات الكبيرة والعلاقات الكلية، ولكنه كان يرى أن أينشتاين يجب أن يهتم بالحصول أولًا على وظيفة جامعية لينال بها راتبًا محترمًا وتتمكن زوجته وزميلته من العودة للدراسة من جديد. لم يكن هذا الكلام ينال استحسان أينشتاين، فقد كان يرى صديقه يتكلم مثل البرجوازيين عن الكدح من أجل البقاء والطعام والمال.

أراد أينشتاين أن يعلم الكيفية التي نشأ بها الكون. لم يكن مهتمًّا بالتفاصيل المحصورة في نطاق عنصر ما أو ظاهرة بعينها. كان يريد أن يعرف ديناميكية المنظومة الكلية للكون، وفي هذه الحالة سيكون الباقي مجرد تفاصيل. وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظر كل من أينشتاين وبيسو عن الحياة، إلا أنهما كانا دائمًا ما يتحدثان في كل ما له علاقة بالفيزياء والفلسفة على مدار سنوات دراستهما وما بعد تخرجهما. كانا صديقين حميمين، ولقد حاصرا بنقاشاتهما مسألة الضوء من كل زاوية ممكنة.

وبينما كان أينشتاين وبيسو يتساءلان كم يستغرق الضوء ليصل إلينا من مختلف المسافات، لمعت في رأس أينشتاين رؤية هامة. هذه الرؤية قلبت المسألة رأسًا على عقب في ذهن أينشتاين. كان العلماء يجدون أنه من المستحيل قبول فكرة ماكسويل حول أن الضوء يبتعد عنك بسرعة 670 مليون ميل في الساعة حتى لو كنت تنطلق بسرعة فائقة تقترب من سرعة الضوء. ولكن أينشتاين تقبل حقيقة أن سرعة الضوء لا تتغير أبدًا، وما فعله بعد ذلك هو أنه أخضع كل ما نعرفه عن الكون ليناسب سرعة الضوء الثابتة. ما اكتشفه أينشتاين كان يعني أننا لكي نخضع الكون لثابت سرعة الضوء فإن علينا أن نبطئ من سرعة الزمن! كان اكتشافه الكبير أن الزمن سوف يتباطأ ونحن نقترب من سرعة الضوء.

في حقيقة الأمر، إن أينشتاين بطريقة التفكير هذه قد غير نظرتنا كليًّا إلى الكون الذي نحن جزء منه. ففي اللحظة التي توصل فيها أينشتاين إلى اكتشافه عن الزمن وقابليته للتباطؤ، بدأت بوابة الاكتشافات تنفتح أمامه. فقبل ذلك كان الناس يعتقدون أن الزمن أشبه بساعة كبيرة تدق في كافة أرجاء الكون بنفس المقدار أينما كنت. ولكن أينشتاين جاء ليقول لهم أن هذا الاعتقاد خاطئ، وأن دقات الساعة في الحقيقة ما هي إلّا موجات الضوء الكهرومعناطيسية، التي تتحول فيها الكهرباء إلى مغناطيس ومن ثم المغناطيس يتحول إلى كهرباء مرة أخرى. بمعنى آخر، جاء أينشتاين ليقول أن الزمان والمكان يخضعان كليًّا لسرعة الضوء الثابتة.

كان عام 1905 عاما مشهودًا وتاريخيًّا لأينشتاين والفيزياء، ففيه بدأ يتشكل عطاؤه الخلاق والاستثنائي. بدأ ذلك العام بنشره ورقة بحثية حول كيفية معرفة حجم الذرات الحقيقي، وبعدها بشهرين نشر بحثه حول طبيعة الضوء، هذه الورقة البحثية هي التي أدت إلى حصوله على جائزة نوبل، وبعد ذلك بشهر نشر الورقة البحثية الثالثة وكانت عن كيفية حركة الجزيئات عندما تتعرض للنار، وهذا البحث هو ما وضع حدًّا للجدل حول حقيقة وجود الذرة. أما الورقة البحثية الرابعة التي نشرها بنهاية هذه الأشهر الست، فقد وضع فيها أينشتاين نظريته حول الضوء والزمان والمكان، كانت تلك هي النظرية النسبية الخاصة التي غيرت نظرتنا إلى العالم.

 وأصبحنا بذلك أمام عالم جديد، وهو عالم الباحث الشاب الذي يبلغ من العمر ثلاثين عامًا ويدعى ألبرت أينشتاين. عالم كان الزمان والمكان فيه متغيران، ويخضع كل ما في الكون تحت مظلة سرعة الضوء الثابتة. ولكن هل هذه هي نهاية الحكاية؟ بالطبع لا، فدعونا نستكشف ما الذي سيأتي بعد ذلك في المقال القادم.

http://www.ibda3world.com/einstein-chasing-light-at-the-patent-office/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق