نوال: بطلة رواية جرافيت(2014) ، آخر أعمال الروائي هشام
الخشن، كانت تمتلك حسا فنيا مدهشا واستثنائيا، وتعشق الرسم ولكنها لا
تلون لوحاتها أبدا. فهل اتبع هشام الخشن نوال في مزاجها الفني ولم
يلوِّن روايته؟ دعونا نستكشف ذلك:
فالخطوط الزمنية المتوازية والقصيرة التي تعالج حكاية عائلة مصرية عام 1928، دفعت الكثير من السأم عن القارئ، والذي كان من الممكن أن يصاب بالملل وعدم الرغبة في إكمال رواية تتحدث عن فترة زمنية تم تناولها في الكثير من الأفلام والمسلسلات، لو لم تكن كُتِبت بهذه الطريقة. ينطلق الكاتب في روايته بحس فني راقٍ ونمط وصفي من الصعب ألا تشعر معه بحيوية شخوص الرواية، والذي كان موفقا في اختيار رابط العائلة بينهم، خاصة وأنه كان الرابط الأكثر منطقية في الفترة التي تدور فيها أحداث الرواية.
من السهل أيضا أن تلاحظ منذ البداية أناقة اللغة ورصانتها. فليس هناك ابتذال
ولا ألفاظ وشتائم تحت بند الضرورة الأدبية. وهنا يجب أن أتوقف لأقول أنني لا أقف في صف ما يسمي بالرواية المحافظة (إن كان هناك شئ يسمي رواية محافظة)، ولكنني لا أتحمل العمل الأدبي الذي يبتذل في استخدام اللغة تحت داعي الضرورة الأدبية، والتي في كثير من الأحيان تكون ذريعة من أجل الكتابة دون اتقان وجهد ومثابرة.
ومن الملاحظ، أن الراوي الفوقيّ، والذي يراه ماريو برجاس يوسا يأخذ دور الإله زيوس، قد غاب
في هذا العمل في أوقات كثيرة. ربما كانت رغبة من الكاتب كي يعطي الفرصة لشخصياته أن تعبر عن نفسها دون وسيط. ولكن هذا الراوي الفوقي (زيوس) ظل متمسكا بدوره في الوصف لكل شئ تقريبا، بداية من تفاصيل ملامح شخصيات العمل وحتي الوضعية التي تجلس فيها نوال.
ولا يعني ما قلته أن العمل يتصف بالكمال، لا يوجد جهد بشري يتصف بالكمال. والعمل الروائي حاله كحال أي جهد بشري. فالشعور بانتظار ما ستأتي به أحداث الرواية والذي كان سمة النصف الأول، أي قبل أن تعود نوال من بعثتها في فرنسا، تضاءل بشكل كبير في النصف الثاني من العمل، حيث أخذت الأحداث منحي تقليدياً، خصوصا بعد زواجها من ابن عمها. فأصبح مسار الرواية يقترب من الرتابة.
ولهذا تسا ءلت في بداية المقال: هل لم يلوِّن هشام الخشن روايته! مثلما كانت تفعل نوال مع لوحاتها؟ ربما هي محنة جلوس الأديب أمام الورق الأبيض دون اكتمال حبكة العمل. وهي أزمة تواجه الكثير من الروائيين في منتصف أعمالهم. وهي صحية وجيدة في أحيان كثيرة، لأنها دليل علي أن الكاتب متشكك فيما يكتب، أي أنه يسعي لما هو أفضل. ربما الرتابة التي شعرت بها كقارئ من الممكن اعتبارها إسقاطا من الكاتب علي طريقة الحياة التي كانت تحياها نوال في بيئة منغلقة في ذلك الوقت.
لم تقع جرافيت في فخ الجنس ولا في فخ تبسيط اللغة حد الابتذال من أجل المبيعات. وفي الوقت نفسه التزم الكاتب بالخط التاريخي للأحداث ولم تنحرف شخصياته في مسارات الأحداث التي مرت بها بعيدا عما حدث بالفعل في وقائع التاريخ. كان هذا الالتزام واضحا مع وجود شخصيات حقيقية كدرية شفيق وحسن البنا.
ولهذا يجب إن أقول أن كاتب رواية جرافيت احترم القارئ بجهده الواضح. وإن كنّا قد رغبنا في أن ينتهي العمل بنفس القدر من الحيوية التي بدأ بها.
فالخطوط الزمنية المتوازية والقصيرة التي تعالج حكاية عائلة مصرية عام 1928، دفعت الكثير من السأم عن القارئ، والذي كان من الممكن أن يصاب بالملل وعدم الرغبة في إكمال رواية تتحدث عن فترة زمنية تم تناولها في الكثير من الأفلام والمسلسلات، لو لم تكن كُتِبت بهذه الطريقة. ينطلق الكاتب في روايته بحس فني راقٍ ونمط وصفي من الصعب ألا تشعر معه بحيوية شخوص الرواية، والذي كان موفقا في اختيار رابط العائلة بينهم، خاصة وأنه كان الرابط الأكثر منطقية في الفترة التي تدور فيها أحداث الرواية.
من السهل أيضا أن تلاحظ منذ البداية أناقة اللغة ورصانتها. فليس هناك ابتذال
ولا ألفاظ وشتائم تحت بند الضرورة الأدبية. وهنا يجب أن أتوقف لأقول أنني لا أقف في صف ما يسمي بالرواية المحافظة (إن كان هناك شئ يسمي رواية محافظة)، ولكنني لا أتحمل العمل الأدبي الذي يبتذل في استخدام اللغة تحت داعي الضرورة الأدبية، والتي في كثير من الأحيان تكون ذريعة من أجل الكتابة دون اتقان وجهد ومثابرة.
ومن الملاحظ، أن الراوي الفوقيّ، والذي يراه ماريو برجاس يوسا يأخذ دور الإله زيوس، قد غاب
في هذا العمل في أوقات كثيرة. ربما كانت رغبة من الكاتب كي يعطي الفرصة لشخصياته أن تعبر عن نفسها دون وسيط. ولكن هذا الراوي الفوقي (زيوس) ظل متمسكا بدوره في الوصف لكل شئ تقريبا، بداية من تفاصيل ملامح شخصيات العمل وحتي الوضعية التي تجلس فيها نوال.
ولا يعني ما قلته أن العمل يتصف بالكمال، لا يوجد جهد بشري يتصف بالكمال. والعمل الروائي حاله كحال أي جهد بشري. فالشعور بانتظار ما ستأتي به أحداث الرواية والذي كان سمة النصف الأول، أي قبل أن تعود نوال من بعثتها في فرنسا، تضاءل بشكل كبير في النصف الثاني من العمل، حيث أخذت الأحداث منحي تقليدياً، خصوصا بعد زواجها من ابن عمها. فأصبح مسار الرواية يقترب من الرتابة.
ولهذا تسا ءلت في بداية المقال: هل لم يلوِّن هشام الخشن روايته! مثلما كانت تفعل نوال مع لوحاتها؟ ربما هي محنة جلوس الأديب أمام الورق الأبيض دون اكتمال حبكة العمل. وهي أزمة تواجه الكثير من الروائيين في منتصف أعمالهم. وهي صحية وجيدة في أحيان كثيرة، لأنها دليل علي أن الكاتب متشكك فيما يكتب، أي أنه يسعي لما هو أفضل. ربما الرتابة التي شعرت بها كقارئ من الممكن اعتبارها إسقاطا من الكاتب علي طريقة الحياة التي كانت تحياها نوال في بيئة منغلقة في ذلك الوقت.
لم تقع جرافيت في فخ الجنس ولا في فخ تبسيط اللغة حد الابتذال من أجل المبيعات. وفي الوقت نفسه التزم الكاتب بالخط التاريخي للأحداث ولم تنحرف شخصياته في مسارات الأحداث التي مرت بها بعيدا عما حدث بالفعل في وقائع التاريخ. كان هذا الالتزام واضحا مع وجود شخصيات حقيقية كدرية شفيق وحسن البنا.
ولهذا يجب إن أقول أن كاتب رواية جرافيت احترم القارئ بجهده الواضح. وإن كنّا قد رغبنا في أن ينتهي العمل بنفس القدر من الحيوية التي بدأ بها.